pre-loader

الشيخ زين الدين المخدوم الصغير عالم عيّن تيار الأمة المسلمة بجنوب الهند

الشيخ زين الدين المخدوم الصغير عالم عيّن تيار الأمة المسلمة بجنوب الهند

الشيخ زين الدين المخدوم الصغير عالم عيّن تيار الأمة المسلمة بجنوب الهند

  • ١٦ جُمَادَىٰ ٱلْآخِرَة‎‎ ١٤٤١

                إلى من يرجع الفضل لما كان السواد الأعظم من مسلمي كيرلا وجنوب الهند شافعية واشاعرة خلافا لبقية انحاء الهند؟ لماذا نفضل كتاب تحفة المحتاج للشيخ إبن حجر الهيتمي على شروحه الأخري من النهاية والمغني بحيث تدرس التحفة في جميع المعاهد الإسلامية بديار كيرلا؟ الجواب الشافي بمثل تلك الاسئلة وهو الشيخ العظيم والفقيه المتبحر والمؤرخ الشهير رائد العلماء والمصنفين في تربة كيرلا المسلمة الشيخ زين الدين المخدوم الصغير/الثاني. فواضح كوضوح الشمس في رابعة النهار أن العلاقة الوطيدة بينه وبين شيخه العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله لعبت دورا بنّاءً في تركيز عقيدة الامة المسلمة بجنوب الهند ومذهبهم الفقهى إلى عقائد المذهب الاشعري والمذهب الشافعي لأن شيخه الاكبر هو في مقدمة روّاد الشافعية والأشاعرة في عصره.

مولده واسرته

  ولد الشيخ سنة 938 ه الموافقة لسنة 1532 م بقرية تشومبال (Chombal) من مديرية كنور (Kannur)، كيرلا، الهند وبعض المؤرخين رأوا انه ولد بفنّانى. وهذا الاختلاف يشير الى انه لم تتوفِّر حجة باهرة التى تضبط موضع ولادته بدقة. وكان ابوه محمد الغزالى الابن الثالث للشيخ زين الدين المخدوم الكبير عالمًا ورعًا مشهورًا في عصره وكانت امّه امرأة صالحة متدينة من اسرة اسلامية من قرية تشومبال. وقد اشتهرت اسرته داخل الهند وخارجها بالمخدومية بحيث يطلق على كل فرد منها اسم "المخدوم" وتنتمى شأفة تلك العائلة الى بلاد اليمن لأنّ اوائلهم وصلوا الى شبه القارة الهندية في مستهل القرن الخامس عشر الميلادى.

مشاويره العلمية

  ولا غرو انه تلقى العلوم الإسلامية الابتدائية من والديه الجليلين بالعلم والثقافة. بينما هو كذلك توفي والده في صغر سنه فشب وتربّى في حضانة عمه الشيخ عبد العزيز المخدوم المعبري بما التحق بدرسه المشهور بالمسجد الجامع الكبير بفنّانى. وقد عين عمّه مدرسًا وقاضيا في ذلك المسجد عقب وفاة والده الشيخ زين الدين المخدوم الأول. واشتغل الإمام هناك بتعلم مبادئ العلوم الدينية والفنون الأخرى ومع ذلك حفظ القرآن الكريم بأسره.

  بيد انه لم تُرَوِّ ظمأ الشيخ للعلوم والعرفان ديار مليبار وليست متوسعة النطاق في الإستفادة حسب ما يتطلب ويشتاق ضمير الشيخ من العلوم والمعارف فعزم على ان يغادر موطنه وتوجه إلى مكة المكرمة طالب العلم وقاصد الحج وناوِيَ القبة الخضراء على صاحبها الف صلوات وتسليمات بحيث سافر في سفينة تحمل البضاعة متجشمًا العقبات الكؤود. وبعد ان ادّى الشيخ فريضة الحج وزار الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاهد الآثار الإسلامية فبقي في تلك الأرض المقدسة مدّة عشر سنوات طويلة مستغَلًّا سوانِحَهُ العسجدية بصحبة مشائخها وعلمائها من كبارهم ومشاهيرهم في زمانه وللتَّبَحَّر في العلوم الدينية والفنون المتنوعة فتعمق الشيخ في علوم التفسير والحديث والفقه وغيرها حتى دعاه علماء الحرم محدّثًا. وعلاوة ذلك، هنالك سلك الشيخ مسالك الصوفية حتى تلقى علم التصوف من الشيخ محمد ابى الحسن الصديق البكرى القاهرى تلميذ الشيخ زكريًا الأنصارى وكان يتعاقب بمصر ومكة عامًا فعامًا. واخد منه البيعة على الطريقة القادرية بمكة المكرمة قبيل فجر يوم الجمعة العاشر من شهر رمضان المبارك سنة 966 ه (1587م).

    وبينما يقيم الشيخ بمكة طوال سنوات تحرى بصفة بالغة ان يتصل بأعيان علماء عصره بالمراسلات والمناقشات مستفتيا عن مسائل مهمة ومن بينها ما يتعلق بحياة مسلمى كيرلا الى ان تم تصنيف كتاب باسم الاجوبة العجيبة عن الأسئلة الغريبة في تلك الأسئلة الفقهية واجوبتها التى دارت بينه وبين ائمة زمانه الكبار منهم الشيخ ابن حجر الهيتمي والشيخ وجيه الدين عبد الرحمن بن زياد والشيخ عبد الله بامخرمة والشيخ عبد العزيز الزمزمي والشيخ محمد الرملي والشيخ العلامة الخطيب الشربيني وشيخ مشائخ الإسلام زين الدين ابى بكر محمد البكرى وغيرهم. وهذا الكتاب يعتبر اول مؤلفاته بحيث فرغ منه قبل سنة 977ه (1599م).

 

شيوخه وشركاءه

  وقد بذل الإمام قصارى مجهوداته لاخذ العلم والتبحر فيه حتى تلمذ على مشاهير الأئمة، وشيوخ الإسلام في عصره ومن ابرزهم:

 

¨ الشيخ شهاب الدين احمد بن حجر الهيتمى:-وكان معجبًا بتلميذه المليبارى لفرط ذكائه وحرصه على طلب العلم. وقد ذكر بعض المؤرخين ان الشيخ ابن حجر الهيتمي رحمه الله قد زار ديار مليبار وجلس في المسجد الجامع بفناني حينما يشتغل تلميذه مدرسًا فيه.

¨ الشيخ عز الدين بن عبد العزيز الزمزمى (900ه-976)

¨ الإمام مفتى الحجازو اليمن وجيه الدين عبد الرحمن بن زياد (943-975)

¨ شيخ الإسلام عبد العزيز بن زين الدين المخدوم الكبير (914-994)

¨ الشيخ ابو الحسن البكرى الصديق.

¨ الإمام السيد عبد الرحمن الصفوي.

 

وقد استفتى الإمام في المسائل المهمة لعلماء عصره الكبار مثل الإمام شمس الدين محمد بن احمد الرملى صاحب نهاية المحتاج في شرح المنهاج والعلامة الخطيب الشربينى صاحب مغنى المحتاج في شرح المنهاج والإمام تقىي الدين بامخرمة الشيبانى الحميري والإمام عبد الرؤوف المكي تلميذ الشيخ ابن حجر الهيتمي.

وكانت ايام دراسته مزدهرة بأقرانه وشركائه المتفوقين في الدراسة والإستفادة. ومن اشهرهم الشيخ ابى بكر الحضرمي والشيخ العيدروسي   الأحمد آبادى و الإمام ملا علي القارى والإمام الشيخ ابن عبد الله السقاف الحضرمي والشيخ عبد العزيز والد الشيخ القاضى محمد الكاليكوتى والشيخ عبد القادر الثانى الكنوري والشيخ أبو الوفاء محمد بن علاء الدين الحمصي والشيخ السيد شاه الحميد ميران الناغورى.

 

 تدريسه بفنانى وكبار تلامذته

 وبعد ان ملأ الإمام جعبته بسهام العلم والعرفان برحلاته العلمية المديدة زهاءً من عشر سنوات واخذ كل الأهبّة والعدّة لنشر العلم الشرعي وللدفع عن الدين السوي رجع الإمام الى بلاده حاملًا على كاهله مسؤوليات باهضة لخدمة الإسلام والمسلمين ثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا فعكف على التدريس والتأليف حتى شهدت سواحل مليبار بل الهند والعالم قاطبة لثورة علمية ثقافية. وجلس الإمام للتدريس مع عمّه وشيخه عبد العزيز المخدوم في المسجد الجامع الكبير بفناني الذى يفد إليه طلاب العلم الشرعي من شتى انحاء العالم وانجب الشيخ جيلًا من العلماء المهرة بدرسه المشتهر وانتشر نور الإسلام في كل ناحية من ديار مليبار بمؤلفاته القيمة وبالتالي اسّس مسلمو كيرلا حلقات الدروس والمدارس في جوامعهم في كل مدينة وقرية تبعًا للدرس الفناني.

  ومن ابرز تلامذته الشيخ الإمام عبد الرحمن بن عثمان المعبرى الفنانى ابن فاطمة بنت زين الدين المخدوم الاول والشيخ القاضى جمال الدين بن الشيخ عثمان المعبرى الفنّانى والشيخ القاضى جمال الدين محمد الكاليكوتى والشيخ عثمان لبًا القاهرى والشيخ سليمان القاهري. وقد تخرج على يده كثير من المفسرين والمحدثين والفقهاء والأدباء والصوفيين الذين نشروا الدين الإسلامي داخل كيرلا وخارجها.

تصنيفاته القيمة

وقد خلّد الشيخ اسمه وآثاره على اديم الأرض الى ابد الآباد بتصنيفاته القيمة التي طار صيتها شرقًا وغربًا بسلامة لغتها وحسن اساليبها وقوة محتوياتها. رغم انه كان اعجميا فاقت كتبه في اللغة العربية كأنما الّفها عالم عربي. وقد توسع نطاق تأليفاته في شتّى فروع العلم والفنون لاسيما في الفقه الشافعي. ومن مؤلفاته الغالية:

 

¨ قرة العين بمهمات الدين. هذا كتاب مختصر في الفقه الشافعى حيث طوى الكتاب بين دفتيه بحار الفقه رغما من صغر حجمه.

¨ فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين.

لما رأى الشيخ انّ كتابه قرة العين يصعب على الطلاب لفهم معانيه وتحليل عباراته فقام اليه بشرح واضح باسم فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين. وقد ساهم هذا الكتاب بنصيب وافر في نشر المذهب الشافعي في جنوب الهند. رغم ان السواد الاعظم من مسلمى الهند يقلدون المذهب الحنفي. وفي ديار كيرلا يعتبر هذا الكتاب مرجعًا اساسيًا وأصلًا اوليًا في الفقه ويدرس قديمًا وحديثا في كثير من المعاهد والكليات الجامعات كجزء لا يتجزئ في منهجها الدراسي داخل الهند وخارجها مثل مصر والحجاز والشام وبغداد وملازيا وسريلنكا وإندونيسيا وغيرها. وطبع مرارا من البلدان العربية والعجمية معًا حتى قام العلماء العرب والعجم بالتعيلق عليه بالحواشي والشروح. لا يتناطح الكبشان فيما نال هذا الكتاب من رواج شائع وقبولية شاسعة بين اوساط عامة الناس وخواصهم.

¨ تحفة المجاهدين في بعض اخبار البرتغالين.

هذا الكتاب تحفة عظمى لابناء كيرلا اهدته يراعة الإمام المباركة بحيث يعتبر اول كتاب دوّن في تاريخ الهند المسلمة بوجه عام وتاريخ كيرلا المسلمة بوجه خاصٍ ذكر فيه المصنف عن مقاومة المسلمين المليباريين ضد المستعمرين البرتغاليين، وعن جورهم وطغيانهم مما وقع من سنة 904هـ (1498م) الى سنة 991هـ (1583). يدعو فيه اهل المليبار الى الجهاد لتحرير الهند المستحلة من براثين القوات الظالمة. وبهذا الكتاب التاريخي طار صيت المؤلف بين اوساط المؤرخين المسلمين والغير المسلمين من بلاد العرب والغرب حتى اشتهر عندهم مؤرخًا بارعًا ومحللا سياسيًا وخبيرًا ماهرًا في علم الاجتماع وزعيمًا وطنيًا يشعل في قلوب شعبه حب الوطن. وقسّم المصنف هذا الكتاب إلى مقدمة واربعة اقسام: الاول في بعض احكام الجهاد وثوابه، والثانى في تاريخ ظهور الإسلام وانتشاره في مليبار، والثالث في طقوس الهنادكة و عقائدهم في ديار مليبار في ذاك العصر، والرابع عن دخول الأفرنج والبرتغال إلى مليبار ومظالمهم البشعة لمدة 85 سنة. وقد فرغ من تصنيفه سنة 985 هـ. وقد نال هذا الكتاب رواجًا حسنًا وتقديرًا وافرًا في البلاد الشرقية والعربية الى ان ترجم الى شتى اللغات العالمية والهندية.

¨ إحكام أحكام النكاح

ذكر فيه المصنف عن احكام النكاح والطلاق الّفه بما الحّ عليه بعض معاصريه بتصنيف كتابٍ جامعٍ في تلك الأحكام.

¨ الأجوبة العجيبة عن الأسئلة الغريبة

هذا الكتاب يحتوي على الفتاوى لمشاهير الفقهاء العشرة لاسئلة المصنف وقت اقامته في مكة المكرمة. وهذا يعتبر اول تصنيفاته بحيث فرغ منه قبل سنة 977 هـ (1599م).

¨ المنهج الواضح بشرح إحكام أحكام النكاح

¨ الفتاوى الهندية

¨ ارشاد العباد الى سبيل الرشاد

¨ الجواهر في عقوبة اهل الكبائر

¨ الاستعداد للموت وسؤال القبر

¨ مختصر شرح الصدور في احوال الموتى والقبور

وفاته وقبره

بعد ان خلّف الإمام آثاره العظيمة وخدماته الجليلة للإسلام والمسلمين و عاش فريدًا وحيدًا بعلومه وذكائه وابداعاته من بين علماء كيرلا، توفي الإمام سنة 1028هـ وعمره زهاء تسعين سنة على القول المعتمد كما ذكره المؤرخ المليباري البارز الشيخ محمد على المسليار النليكوتى في كتابه ’’تحفة الأخيار في تاريخ علماء مليبار‘‘. وقد اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ وفاته وقد كتب المؤرخ المصرى الدكتور عبد المنعم النمر في كتابه "تاريخ ا لإسلام في الهند" انه توفي سنة 991 هـ (1583م). وهذا مخالف لما كتبه المؤرخون البارزون جرحي زيدان وخير الدين الزركلي وكارل بروكلمانCarl) (Brockelman  حيث رأؤ انه توفي سنة 987 هـ (1575 م). وهذا ليس بصحيح لأن الشيخ زين الدين المخدوم قد ذكر في كتابه تحفة المجاهدين عن حوادث سنة 991 هـ فمن المحال ان يكتب عن الحوادث التى وقعت بعد وفاته.

    ودفن الإمام بجوار المسجد الجامع بكنجي فالى (kunchipalli) بمنطقة تشومبال، كنور، كيرلا. وقبر زوجته ايضًا موجود بقربه. وكان لهما ثلاثة ابناء: محمد وعبد العزيز وابوبكر وبنت واحدة فاطمة.

 


لتزويد مجلتنا المطبوعة

إضغط هنا