النبي صلى الله عليه و سلم: طبيعته و تأيثيره
النبي صلى الله عليه و سلم: طبيعته و تأيثيره
- ١٣ رَبِيع ٱلْآخِر ١٤٤٦
- فضيلة السيد صادق علي الشهاب
يحتفل العالم الإسلامي بالمولد النبوي في شهر ربيع الاول كل سنة. ولا تزال ذكريات الرسول صلى الله عليه وسلم تتجدد في قلوب المؤمنين. و حبه يزداد حينما يساير مع حياته صلى الله عليه وسلم في كل نقطة يمسها وخطوة يخط في مسيره. لأن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت غنية تعلقت بجميع مجالات الحياة البشرية. وله المثل الأعلى في شتى نواحي الحياة مثل التدريس، والحياة الأسرية، وتربية الأطفال، والتجارة، والدبلوماسية السياسية، والحكم، والحياة العامة، وما إلى ذلك من كل جزء من حياة الإنسان. وسبب احتفال العالم الإسلامي بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل خاص هو أن هذا الاحتفالات تغطي جميع حياته. لا بد للمؤمن أن يدرك رسالاته النبيلة وتعاليمه الخالدة بحذافيرها. لأن الحب ينفجر من معرفة تلك الحياة الممتلئة بالقيم والأخلاق المحمودة. لذا قال الحبيب – عليه ألف ألف سلام - " لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه.."
ينبغي للمؤمن أن يعرف النبي (صلى الله عليه وسلم) معرفة كاملة، حتى ترسخ العقيدة في قلوبهم وتثبت جذور الإيمان في أذهانهم. فهذا العنوان " النبي صلى الله عليه وسلم طبيعته وتأثيره" يحمل معاني جليلة تفيد المعلومات الشاملة حول حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. ومما لا شك فيه أن من يتعلم هذه الشخصية بقلب مفتوح سيغرق في حبه بلا اختيار. وهذا العنوان يرسم في أحشاء المؤمن صورة رسول مبجل – عليه أفضل الصلوات والتسليمات حرّر العالم من ظلمات جور الأديان الباطلة وطقوسها الفاسدة
الطبيعة هي الخُلُق. وهي مزيج من جلال الروح الباطني وجمال الجسد الظاهري. أمّا الجمال الخارجي يجذب الجميع. فكان الحبيب صلى الله عليه غاية في الجمال الخارجي كما نرى شواهده في الأحاديث الصحيحة. تحكي أم معبد الخزاعية – وهي من أهل البادية – حينما رأت الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة – أدامهما الله شرفهما وأقامهما – ندعها تصف الحبيب بلغتها الفصيحة : قالت أم معبد الخزاعية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصفه لزوجها: (ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثُجْلة، ولم تزر به صلعة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وَطَف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فضل، لا نزر، ولا هذر، كأن منطقه خرزات نُظمن يتحدرن، رِبعة، لا تقحمه عين من قصر، ولا تشنؤه من طول، غُصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، وله رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود،,لاعابس ولامفَنَّد (الطبراني)
وهكذا كان جمال روحه صلى الله عليه وسلم وقلبه الطيّب. وأروع ما قال عن هذا الجمال ما روي عن أقرب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا أنس بن مالك رضي الله عنه خادم الحبيب، يفيض لسانه بمدح المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث يقول : “خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، فما قال لي أف قط، وما قال لي لشيءٍ صنعته لم صنعت هذا، ولا شيء لم أصنعه لِمَ لَمْ تصنع هذا“(البخاري ومسلم)
كان صاحب قلب رؤوف رحيم لطيف حنون. كان إذا سمع مصيبة أو رأى فجيعة يحزن لها كأنها وقعت عليه نفسه. وكان من خصائصه دوام الصمت والتبسّم. كان لا يدخل إلا فيما يعنيه ولا يغضب.كم قدعفى عمن آذاه وعامله بسوء وجازاهم الرسول صلى الله عليه وسلم بإحسان. ومن أجمل شيمه صلى الله عليه وسلم عفوه صفوان بن أمية بن خلف الجحمي الذي دبّر مؤامرة لقتل النّبيّ صلى الله عليه وسلم مع ابن عمه عُمير بن وهب الجمحي. كيف وقد عفى عن أهل مكة يوم الفتح الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين طوال السنين بمقولته الشهيرة "أقول كما قال أخي يوسف: {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (يوسف:92)، اذهبوا فأنتم الطلقاء).
وهناك مثال آخر لعفوه الجميل حينما أَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى أَثَّرَتْ بصَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ يقول هذا الأعرابي: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ. فيلتفتُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يضحكُ،ويأمُرُ لَهُ بِعَطَاءٍ.
ولا يمكن أن نرى زعيماً آخر في تاريخ البشرية بهذا الكرم والتسامح حتى مع ألدّ أعدائه وأشد خصومه. و لم يكن من منهج النبي صلى الله عليه وسلم لعن الآخرين.
تقول عائشة الصديقة رضي الله عنها : قيل يا رسول الله! ادع على المشركين، قال: (إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة). وسبب هذا الخلق السنيّ رحاب صدره صلى الله عليه وسلم. وقد علّم الرسول صلى الله عليه وسلّم بحياته العطرة بأن من له صدر رحيب سيكون إنسانا برّا لا غير. وهذا رحمة أنعمه الله بها. يقول الله سبحانه وتعالى : “أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ"(سورة الشرح).
كانت أعداء الرسول صلّى الله عليه وسلم غير منازعين في صدقه وإخلاصه. هذا أبو جهل ألد أعداء الإسلام ورسوله الكريم يقول : "إنا لا نكذبك يا محمد، ولكن نكذب ما جئت به”
يقول المستشرق الألماني الدكتور غوستاف فايل في كتابه موجز تاريخ شعوب الإسلام " كان محمد (صلى الله عليه وسلم) مثالا لامعا لأصحابه، وكانت أخلاقه نقية لا يخالطه دنس الأوزار. وكان مسكنه وملبسه وطعامه في غاية البساطة"، ولا يحمل العجب ولا يرغب في عطايا الناس ومكرماتهم".
وقد جرى حبه وعشقه عبر حدود نوع البشر إلى جميع الكائنات والحيوانات. علّم أتباعه بأنه في كل كبد رطبة أجر. وأمر أن يسرع السير فوق البعير في الصيف ويبطئ السير في الشتاء حتى يرتاع البعير ويشبع. حزن قلبه الحنون حينما أحرق بعض أصحابه قرية النمل حزنا شديدا. وتتضح رحمته للحيوانات في قوله حينما رأى إبلا محبوسا بلا طعام ولا شراب. فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحب الإبل : ألا تخاف الله ؟
للتعاليم المحمدية تأثير عميق ذو رونق وضياء. هذا يدل على مدى تأثير عقيدته في العالم. وكل ما قدم النّبيّ صلى الله عليه أمام هذا العالم من تعاليمه الخالدة وشريعته الطاهرة جديرة بالقبول لدى من له عقل سليم يستخدمه صاحبه للوصول إلى الحق بلا تعصب.
كفى دليلا لصدق عقيدته خلودها رغم التحديات. لولا عقيدته حكيمة لكانت فريسة السخرية والإستهزاء من الأعداء. لأنّ عقيدته واجهت عددا كبيرا من الخصوم على ممر الأيام والعصور
ومن أكبر مزاياه أنه غلب على شبه الجزيرة العربية بعقيدته النيرة في غضون عشر سنواته الأخيرة من 23 سنة بعد النبوة والبعثة. وبلّغ رسالته وأدّى أمانته وجمع أتباعه في وادي عرفة ويقول معلنًا: ألا هل بلّغت؟ أَ رضيتم عنّي؟ نرى أروع تأثير هذه العقيدة الربانية ورسوخ جذوره في قلوب من آمن حينما يجيبون بلسان واحد " نعم" وهذا خير شاهد لقبولية رسالته صلى الله عليه وسلم. وهذه الشهادة الخالدة لا تزال قائمة بلا تغيير مدى الأزمان كما أنّ هذا الرسول صلى الله عليه وسلم – كما قال مايكل اتش هارت – سيظل حيا في قلوب الناس وحيدا الذي أثر تأثيرا ناجحا في المجال الديني و الساحة الدنيوية على السواء