pre-loader

وأعلنت في الربى ميلاد أنوار

وأعلنت في الربى ميلاد أنوار

وأعلنت في الربى ميلاد أنوار

  • ٩ رَبِيع ٱلْأَوَّل‎ ١٤٤٦
  • فجر الدين محمد الرحماني كناشيري

طلع نور النبوة في أفق مكة وتضوع أريجها في هضابها وسهولها. كانت العتمة الحالكة تجتاح ضواحي الجزيرة العربية وانتشرت الفوضى في كل رباها ووهادها، فأقبل فجر النبوة من خلف تلالها حاملا عبق الحق والهداية. كلما توضع الأقلام في السطور بحدتها وجدتها تخور قوتها وتنفد كلماتها عند التعبير عن شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إذ إنه يفوق كل تعابير الأدباء واستعارات الشعراء. ما أجمل مناظر احتفالات المولد النبوي الشريف التي توقد فيها المصابيح وتطلق البخور وتوزع الحلويات وتزين المدارس والمنازل بالتزيين الضوئي والورقي ويغني الأطفال ويلعبون بالدفوف إلى جانب مواكب الكبار والصغار ومجالس المولد والمذاكرة والوعظ والإرشاد وما أحلى نسيم الصبا الذي يحمل عبير سيدنا ويهيّج وجْدنا بذكريات حبيبنا وما أروع سطور العشاق التي تنصب من العشق والمحبة وتنسكب من البين والفراق. هذا محمد بن سعيد البوصيري يصور وقت ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وما صاحبه من بشائر، حتى بدا وكأن الكون كله يحتفل بهذا المولد في نشوة وطرب، ومن هذه البشائر تصدع إيوان كسرى، وخمود نار المجوس، وجفاف بحيرة ساوة، كما تعم الفرحة أرجاء الكون والسماء. حيث ينشد:

أبان مولده عن طيب عنصره

             يا طيب مبتدأ منه ومختتم

يوم تفرس فيه الفرس أنهم  

            قد أنذروا بحلول البؤس والنقم

وبات إيوان كسرى وهو منصدع

            كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم

والنار خامدة الأنفاس من أسف

            عليه والنهر ساهي العين من سدم

وساء ساوة أن غاضت بحيرتها

            ورد واردها بالغيظ حين ظمي

            فالإمام البوصيري قد أصيب بمرض عضال (شلل نصفي). هذا جعله يفكر في نظم قصيدة في مدح الرسول الكريم ويتضرع بها إلى الله راجيا الشفاء والعافية. ويقول نفسه، ذات ليلة إنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، فمسح وجهه بيده الشريفة وخلع عليه بردته مكافأة له، كان ذلك سببا في شفائه.

            وهذا أمير الشعراء في العصر الحديث أحمد شوقي، قد فاض قلمه الساحر في مدح سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، إنه مع اطلاعه على مختلف الثقافات والعلوم والفنون بقي متمسكا بالتراث الشعري العربي القديم وملتزما بالصبغة الإسلامية فيه حيث نظم قصيدة نهج البردة التي تعد أحد أبرز القصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم قديما وحديثا، وهي معارضة لقصيدة البردة المشهورة للإمام البوصيري رحمه الله، وله أيضا قصيدة ‘ولد الهدى‘، وهذه القصيدة نظمت تمجيدا لذكرى المولد النبوي الشريف وتخليدا لحياته الرفيعة وصفاته الفضلى حيث يقول فيه: تقشعت السحب المظلمة بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وأضاءت الدنيا بأسرها وعمت السعادة في الأرض والسماوات قاطبة واستقبل الزمان هذه الولادة الكريمة بكل فرح وطرب وثناء. وهو يتحدث أيضا أن جبريل والملائكة حوله يبشرون بهذه الولادة الفذة ويحتفي بها أهل السماء والأرض وتزينت السماء وتعطرت الأرض وبها أيضا زها العرش والمنتهى والسدرة. ومن أبياته:

            ولد الهدى فالكئنات ضياء  

                        وفم الزمان تبسم وثناء

            الروح والملأ الملائك حوله  

                        للدين والدنيا به بشراء

            والعرش يزهو والحظيرة تزدهي  

                        والمنتهى والسدرة العصماء

            بك بشر الله السماء فزينت  

                        وتضوعت مسكا بك الغبراء

            وعبد الله البردوني شاعر وناقد أدب من اليمن، اشتهر بمعري اليمن. كان ضريرا بإصابته بالجدري وهو في الخامسة من عمره إلا أن مواهبه الشعرية وبصيرته الفكرية قد فاقت وغلبت عليه، وفاض من قلمه السيال كثير من القصائد الخلابة في مختلف المناسبات والموضوعات. إنه يصور احتفالات الميلاد النبوي أحسن وأدق تصوير من خلال قصيدته الموسومة بفجر النبوة، يفصل فيها أعياد الميلاد واحتفال الكون بأسره بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويصف فيها المسلمين الذين في قلوبهم محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وفخر بكونه في أمته الفاضلة بأنهم يحتفون بسيدهم ويحتفلون بميلاده ويتبادلون الفرح والطرب كأنه حفل من الأعراس والأعياد كما أنه يصور المواكب التي تنبئ بميلاد أكرم الخلق والتي توجد في كل أرجاء العالم. ومن أبيات القصيدة:

            يا فجر ميلاد النبوّة هذه  

                        ذكراك فجرا دائم الميلاد

و تهلّل الكون البهيج كأنّه  

            حفل من الأعراس و الأعياد

و أفاقت الوثنيّة الحيرى على  

            فجر الهدى و على الرسول الهادي

فمواكب البشرى هناك و ها هنا  

            تنبي الوجود بأكرم الأولاد

وللبردوني أيضا قصائد بليغة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ومنها القصيدة المعنونة ببشرى النبوة، حيث يصف فيها الشاعر تباشير النبوة وما تعقب بها من انتشار النور والهداية متجاوزا كل حدود العالم

بشرى من الغيب ألقت في فم الغار  

            وحيا وأفضت إلى الدنيا بأسرار

بشرى النبوة طافت كالشذى سحرا  

            وأعلنت في الربى ميلاد أنوار

وشقت الصمت والأنسام تحملها    

            تحت السكينة من دار إلى دار

وهدهدت مكة الوسنى أناملها      

            وهزت الفجر إيذانا بإسفار

فأقبل الفجر من خلف التلال وفي  

            عينيه أسرار عشاق وسمار

كأن فيض السنى في كل رابية  

            موج وفي كل سفح جدول جاري

ولا استطيع أن أختم كتابتي هذه إلا بالاطلاع على نبذة يسيرة من مساهمات الشاعر العربي الراحل محمد طيب الرحماني في مدح خير البرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد طيب الرحماني كان عالما في الشريعة وخادما للدين الحنيف وكاتبا في الدوريات وخطيبا مصقعا وشاعرا موهوبا في اللغة العربية، ولد في أسرة عريقة مشهورة بالدين والتقوى والعلم والشعر، حيث كان جده محمد عبد الرحمان الأريكلي عالما وفقيها وشاعرا فحلا اشتهر بين العرب والعجم. كان الرحماني يستخدم هذه المواهب بأسرها في خدمة الدين وفي نشر محبة النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس وإلقاء الاحترام والاحتفاء بالصالحين في قلوبهم وتدل عليه خطبه في شرح أبيات ‘منقوص مولد‘ التي توجد في يوتوب. وله أشعار ناضجة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم التي تقرع الأسماع بألحانها العذبة السلسة والتي عنونت ب‘أريج الصبا في مدح سيدنا المجتبى‘. هذه القصيدة تشير إلى تفوقه وبراعته في نظم الشعر العربي في نمط تقليدي وسبك حسن. تعد هذه القصيدة من قبيل ‘المولد‘ الذي يتألف من نثر ونظم يمدحان النبي صلى الله عليه وسلم مع الثناء عليه بكل ما في حياته الحافلة من وقائع وشمائل وأخلاق كريمة وغزائر فاضلة. وهذه القصائد يقرأها المسلمون في محافلهم ومختلف مناسباتهم ابتغاء مرضات الله ورسوله. فهذه القصيدة التي قام بتأليفها محمد طيب الرحماني قد حازت المركز الأول في مسابقة قرض ‘المولد‘ التي عقدها جامعة عين الهدى بكاباد، الهند. يصور الشاعر في هذه القصيدة المشاق والمعضلات التي كابدها النبي صلى الله عليه وسلم حتى من أقاربه وقرنائه في سبيل الحق والدعوة حيث يقول:

عبس الأقارب والقرناء نحوك يا    

            حبي لنصرة هذا الدين هادينا

أرشدتهم خير نهج أنت سالكه    

            بل كلهم أعرضوا عن هدي منجينا

وقام منهم بفرث عقبة بن معيـ    

            ط فهو أقبحهم سرا وإعلانا

ألقاه في عنق الهادي وأثقله    

            عن السجود لرب الخلق بارينا

على الرغم من أن الموت حق على كل إنسان إلا أنه أقسى وأصعب وأفجع على نفوسنا في انتقال صديقنا الحنون محمد طيب الرحماني إلى جوار ربه الكريم. ومعلوم أن الله يسترد روح من أحبه إليه سابقا. وقد قاسى هذا العالم الشاب آلاما شديدة ومشاكل قاسية بالأمراض التي أصيب بها في سن مبكرة إلا أنه قد ترك وراءه مساهمات جمة في حقل الدعوة الإسلامية والخدمات الإنسانية والاجتماعية والأدب العربي أيضا حتى في آخر لحظات حياته. ولا يبقى لنا سوى تذكر تلك الذكريات الجميلة والدعاء له. اللهم اغفر له وارحمه وأسكنه الفردوس واجمعنا معه في جوار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.


لتزويد مجلتنا المطبوعة

إضغط هنا