فراق الشيخ بافو المسليار كوتملا (رحمه الله) ثلمة لا تسد أبدا
فراق الشيخ بافو المسليار كوتملا (رحمه الله) ثلمة لا تسد أبدا
- ٢٠ جُمَادَىٰ ٱلْأَوَّل ١٤٤٦
- محمد حافظ كودور
قد أنجبت ولاية كيرلا شخصيات عباقرة وعلماء عاملين ساهموا مساهمات جليلة في مختلف المجالات. وكانت حياتهم حافلة بطاعة الله وخضوعه ومشغولة بالعلم والتعليم والتدريس. صاروا عجائب خالدة خلود الأبد، حتى في العصر الراهن. لا يمكن الأحد أن ينسى حياتهم التي كانت مسجلة في التاريخ بالمداد الذهبي. قاموا بمسؤولياتهم وواجباتهم بحقها وقادوا الأمة إلى سبيل الخير والرشاد. ولم يهتموا بالجاه والمال والمكاسب الدنيوية أبدا، بل آثروا أمور على أنفسهم والآخرة على الدنيا.
ومن أبرز علماء الإسلام في ربوع كيرالا في القرن الحادي والعشرين الشيخ بافو المسليار كوتملا الذي سطع في أفق الأمة المسلمة بكيرالا بخدماته الجبارة في مختلف المجالات والمشاريع. وكان الأستاذ فائزا بمكارم الأخلاق وعلو الهمة، وبالخصال الجمة التي لا يمكن وصفها، وكان أيضا أعجوبة الزمان بلا نزاع. حقا إنه ثلمة لا تسد في مجال الخدمات الدينية والتعليمية في أوساط كيرالا.
ولد فضيلة الشيخ بافو المسليار في اليوم العاشر في عام ١٩٥٢ م الموافق الرابع عشر من جمادى الأولى ١٣٧١ هجريا. وكان ذا رجاحة العقل والنشاط منذ طفولته. وكانت دراسته طويلة التى بدأت من حلقات الدرس في مسجد قريب من بيته، إلى أن تخرج من الجامعة النورية العربية بفيضاباد حاملا شهادة "الفيضي".
كان الشيخ عالما فقيها متورعا كوالده الشيخ أبي بكر المسليار بكوتملا. سار في نهج السلف الصالحين متمسكا بعقيدة أهل السنة والجماعة. لذا كان الناس يصغون إلى كلامه ويستشيرونه في جميع مناحي حياتهم لقدرته المتميزة ومهارته المتفوقة في حل القضايا والمشاكل بأسرع وقت ممكن.
ومن أجل خدماته الجليلة تقلد مناصب عديدة وأداها حق الأداء بغير تقصير ونقصان. إنه تولى منصب القضاء في مختلف البلاد كما أنه قام بخدمات ملحوظة في شتى المؤسسات والكليات عميدا وأمينا وعضوا بارزا. ومن المعلوم أنه شخصية فذة أزهرت الجامعة الرحمانية الإسلامية بكدميري بحضوره الساطع وتدريسه نحو أربعين سنة حتى أصبحت الرحمانية منهلا عذبا للعلوم الشرعية والعلوم العصرية حيث ذاع صيته وصوته في أرجاء المسكونة كلها.
حينما واجهت الجامعة مضايقات عديدة قام الشيخ بافو المسليار بدوره الريادي أمام هذه المعضلات وغلب عليها وسار بها نحو التقدم والمستقبل النير. وطاف وتجول في الدول العرب لجمع المال أيضا. عندما تجرأ الشيخ أن يبيع مبنى الجامعة في "فاليم" بكالكوت، المصدر الوحيد المقيم لدخل الجامعة ويشتري مكانا في "كوتشي" طعن فيه كثير من الناس من مختلف المجالات. ولكن اليوم أصبح مشروع "ولارفادم" في كوتشي مصدرا رئيسيا لدخل الجامعة وتحقق حلمه وهذا خير مثال لرأيه السديد المتقدم.
ومن مزاياه البارزة، أسلوب تعليمه السهل المعقول ومعاملته اللطيفة حتى مع الطلاب. ومن كلمات تلميذ له: "كنت أسافر في سيارتي مع صديقي في الجامعة، إذا اتصل الأستاذ بي عبر الهاتف لغرض ما، حتى انتهت المكالمة. ولم يلبث وقت أن اتصل الأستاذ أيضًا بصديقي في الهاتف فقال إني قد اتصلت بك الآن لأن لا تحزن في عدم اتصالي بك وأنتما معا في السيارة". هذا أوضح دليل على أن الشيخ كان يعتبر كل من يلقى في حياته من الكبار والصغار.
تم ترشيح الشيخ عضوا إلى مشاورة جمعية العلماء لعموم كيرلا في ٨ أيلول عام ٢٠٠٤ م ثم لم يزل يترقّى تدريجيا في مناصب عليا للجمعية حتى أصبح أمينا لجمعية العلماء وأمينا عاما للجنة التعليم الإسلامي لعموم كيرلا ورئيس الولاية لجمعية المفتشين وغيرها من المناصب الهامة. استمر الأستاذ على الأعمال البارزة في جمعية العلماء حتى فاضت روحه الطاهر إلى بارئها.
ومن الجدير بالذكر أنه كان رئيسا فذا في تاريخ لجنة الحج لولاية كيرلا بأنه اهتم بكل ما يتعلق بها بكل دقة ورعاية كما أنه شخصية وحيدة انتخب مرتين في نفس المنصب. وذلك لتداخله الموافق بها واستمر في منصبه سنين حتى لقي المنية. وهو شمر عن ساق جده للحاجين ليلا ونهارا سرا وعلانية حتى أصبحت اللجنة ملجأ لمن يريد الحج بلا مشقة ولا صعوبة.
لا يمكن أحد أيضا أن ينسى مساهماته في "سفرباتم" جريدة لجمعية العلماء التي تواصل مسيرتها النجاحية في هذه الأيام. وهذه أيضا مثال حي لقوة إرادته وشدة عزمه. حينما أتت مباحث بين العلماء للجمعية عن حاجة إلى محطة لنـشر الأخبار المتعلقة بالأمة المسلمة، أخذ الشيخ زمامها بتوكله على الله وتوفيقه. وكان تحديا عظيما أمامه في تلك الأيام لكن عزم على نشرها رغم التحديات والمشاكل وجعلها من ضمن الجرائد السائدة في الولاية.
واصل الشيخ بافو المسليار كوتوملا خدماته الدينية والاجتماعية إلى آخر وقته وانتقلت روحه الطيبة إلى جوار الله في الحادي عشر من ربيع الآخر عام ١٤٣٨ ه الموافق للعاشر من كانون الثاني سنة ٢٠١٧م عن عمر يناهز خمسة وستين عاما تاركا وراءه إثرا كبيرا وأثرا طيبا وذكريات لا تموت. جمعنا الله معه في دار القرار.. آمين