pre-loader

تطلبون القيم؟ والقرآن يجيب...

تطلبون القيم؟ والقرآن يجيب...

تطلبون القيم؟ والقرآن يجيب...

  • ١٦ جُمَادَىٰ ٱلْآخِرَة‎‎ ١٤٤١

لما أن الإنسان حيوان إجتماعي لا بد له أن يعتني بحفاظة حقوق الآخرين في المجتمع ويفهم رسالات القيم الإنسانية الجليلة. وعندما ينور الشخص حياته بالمعاني الإنسانية الرائعة يكون مثالا يقتدى به بين يدي مجتمع المسلمين و غير المسلمين حتى يصير فائزا معترفا به في العالمين. وقد بين الدين الإسلامي جميعا من الرسالات الإنسانية الحميدة عبر الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة حتى جعلها الإسلام معيارا لتكملة الإيمان،وذلك ما لا يشير إليها سائر الأديان الأخرى في العالم حيث لم يُبق شيئا من المبادئ الإنسانية إلا وذكرها قاطبة شاملا بالعناصر المحيطة بها.

فالقيم القرآنية ثابتة لا تتغير لأنها صالحة لكل زمان ومكان وإن الأخلاق والعقيدة والشريعة ليست من صنع الإنسان ولذلك فهي قائمة على الزمان ما بقي الزمان على اختلاف البيئات والعصور.وتتحدث هذه الآيات عن جملة من هذه القيم، كالصدق، والصبر، والإيثار، وحبُّ الآخرين، والإنفاق والتضحية وإلى غير ذلك.وهناك عدة أنواع للقيم تشمل العلاقات البشريَّة في كلِّ صورها، كما وهناك آثار عظيمة لانتظام منظومة القيم في المجتمع.

ومن القيم التي عظم أمرها الإسلام: الحرية، التي توفر الشخص فرصا واسعة لقيادة حياته إلى الأمام حسب رغباته النفسية بنيل مطلوباته الحيوية حيث ترفع عنه كل قيود الضغط والضيق والقهر والإكراه والإذلال ويكون ذا رأي محض وموقف مطلق في الأفعال والأقوال والأفكار.وتشمل هذه الحرية، الحرية الدينية والحرية الفكرية والحرية السياسية والحرية التعبيرية وكل الحريات الحقيقية.

  والحرية الدينية، هي التي تتعرض للنقاشات والجدالات في المناطق العالمية والوطنية في هذا العصر. وقد صرح القرءان الكريم موقفه الجلي في هذا كما يشير إليه في سورة البقرة وهي مكية ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ (البقرة:256) وفي سورة يونس المدنية ﴿ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ (يونس 99).

وهذا واضح مثل ضوء النهار أن الإسلام لا يكره أحدا لتدين بدين خاص أو باتخاذ ملة خاصة، إلا أن بعضا من أعدائه يدعي ذلك ويستعمله سهاما ضد الدين الإسلام.والذي يقول تعالى في هذه الآية "لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام فإن دلائله بينة واضحة جلية وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورا. وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار، وإن كان حكمها عاما".

ولا يحرض الإسلام على تكرار القول بالدعوة الى الدين الإسلام، مرات بعد مرات، فضلا عن إكراهه، كما يظهر ذلك من قصة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم حيث نبهه الله تبارك وتعالى ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدي مَن يَشَاءُ﴾ وعلاوة على ذلك، إن الذي يأمر الإسلام أهله أن يحفظوا معابد غير المسلمين وهياكلهم من الهدم والإتلاف حتى أوان القتال،ولا يزعجوهم بألسنتهم وأيديهم كما أنهم يكرمون شعائرهم ويحرمون أجسادهم في حال أنهم لا يخالطوهم في عاداتهم الدينية واحتفالاتهم الإلهية فلا يشبهوهم فيها.

ومن الحقوق التي يستحقها جميع أفراد المجتمع أن تكرم حرمتهم وتحفظ حقوقهم ولا تمزق أعراضهم ولا تطردهم من دائرة المجتمع. و قد أشار القرآن إلى جميع ذلك، يقول الله تعالى "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ". وكل إنسان يحمل كرامته بأنه إنسان، وهو حقيق لأن يسوق عيشه إلى الأمام بالحصول على الحوائج الأساسية اليومية باعتبار سواء بين جميع أفراده بدون النظر إلى دينه ولونه وجنسه. وكرامة الإنسان مرتبطة ارتباطا وثيقا بحريته فلا كرامة لإنسان من دون حرية لأن منع الحرية هو إهدار لكرامته، فالحبس والسجن والاعتقال وتقييد حرية الكلمة وحرية الرأي وحرية العقيدة وحرية العبادة كل ذلك يحد من كرامة الإنسان ويحط من شأنه.

وكذلك العدل من القيم الإنسانية الأساسية التي جاء بها القرآن الكريم وجعلها من مقومات الحياة الفردية والأسرية والإجتماعية والسياسية حتى وضع إقامة القسط-العدل-بين الناس هو هدف الرسالات السماوية كلها.يقول تعالى ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد-25). وفي هذه الآية تصريح بأن العدل من الخلق السماوية الإلهية وأنه من شأن الرسل أن تقوم به بين الأمم. وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه سواء كان ذو الحق فردا أم جماعة أم شيئا من الأشياء أم معنى من المعاني بلا طغيان ولا ظلم، فلا يبخس حقه ولا يجور على حق غيره.

  والإسلام يأمر بالعدل مع النفس كما يطلب ملاحظة العباد وحذرهم إلى تواصل الصيام والمجاهدة بالعبادة ويأمر بالعدل مع الأسرة من الزوجات والأولاد وغيرهم حيث يقول الله تبارك وتعالى ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ (النساء-3). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم". وقد صرح الله جل وعلا في سورة النساء نفسها عن القيام بالعدل مع المجتمع ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ (النساء-135)، وفي سورة المائدة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (سورة المائدة-8) " وهذه الآيات تشمل جميع ما ذكرناه من العدل مع النفس والأسرة والأقرباء وسائر الناس.

  "فإنه يقول: ولا يحملنكم عداوةُ قوم على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة".كما تشهدون لوليكم، فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له، ولو كان كافرا أو مبتدعا، فإنه يجب العدل فيه، وقبول ما يأتي به من الحق، لأنه حق لا لأنه قاله، ولا يرد الحق لأجل قوله، فإن هذا ظلم للحق. وكم من حوادث حاسمة مضت في التواريخ الإسلامية حكم فيها الحكام المسلمون لغير المسلمين-أي ضد المسلمين-وللرعية ضد الدعاة، كما نرى أمثلتها العديدة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم نفسه.وذلك مصداقا لقوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ (النساء-58). و هذا مما لاحظ إليه انتباه الباحثين عن الدين الإسلام والقرآن الكريم في الحكم بين الناس حيث استفاضت الأحاديث في فضل الإمام العادل،فهو أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأحد الثلاثة الذين لا ترد لهم دعوة.

  وينصح القرآن بحفظ العدل في الأقوال أيضا ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ﴾ (الأنعام-152) فلا يخرجه الغضب أو البغض عن قول الحق، ولا يفضل رغباته النفسية في كلماته مع الآخرين. ويرشد إلى العدل في الشهادة؛ فلا يشهد إلا بما علم، لا يزيد ولا ينقص، ولا يحرف ولا يبدل: قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾ (سورة المائدة-8) وبقدر ما أمر الإسلام بالعدل و الحث عليه حرم الظلم على جميع أنواعه ووجوهه بغض النظر إلى من قام به و إلى مكانته في المجتمع، سواء ظلم النفس أم ظلم الغير.

   ويدعو القرآن إلى التعايش مع الألفة والوحدة والإخاء. معناه أن يعيش الناس في المجتمع متحابين مترابطيين متناصرين متراحمين متسامحين متشاطرين بينهم في الأقوال والأعمال والأفكار، يجمعهم شعور أبناء الأسرة الواحدة التي يحب بعضها بعضا ويشد بعضها أزر بعض، يحس كل منها أن قوة أخيه قوة له وضعفه كذلك ضعف له، وأنه قليل بنفسه وكثير بإخوانه الذين يعيشون حوله، كما أنه يحب لأخيه ما يحب لنفسه، كما يشير إليه معنى الآية القرآنية ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات-13)

 فهذه الآية جاءت تنبيهًا إلى وحدة أصل الإنسان رغم تفرُّق الشعوب والقبائل، ووحدة إمكاناته واستعداداته، على تعدُّد أوصافه، وتنوُّع مكتسباته، وضرورة التعارف المؤدي إلى التآلف والتوادد المنافي لأنواع التعالي والتفاخر والتعاظم. ويأمرنا الإله بالتعارف؛ ليدلنا على قيمته ومكانته وإسهاماته في تحقيق الوحدة، وربط العلاقات لتحقيق الأخوة الصادقة؛ لأنه يريد منا أن نتَّحد، ويحذرنا من الفُرقة والاختلاف.فإن في القرآن الكريم ما لا يعد ولا يحصى من الآيات التي تأمر الإنسان بالوحدة والتماسك، والتعاون على البر والتقوى، والإصلاح الاجتماعيِّ والسياسي والإنساني والديني.

فهذا هو الإنسان الصالح؛ يحب الخير، وينبذ الشر، ويميل إلى الآخر من حيث يدري أو لا يدري، ويشاركه ويخدمه، يتقاسمون كلَّ المسرات والمضرات رغم اختلافهم في المعيشة والرزق؛والتعاون والخدمة، وتبادل الآراء والخبرات، وتقديم التضحية والجهد من أجل الآخر لقوله تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ (الزخرف- 32) - كلُّ هذا لا يتحقق إلا تحتَ ظلِّ قيمة التعارف والتوادد والتحابب التي هي أصلٌ لجلِّ القيم الأخرى، والمقاصد الكبرى.فالأخوة القرآنية فوق كل العصبيات أيا كانت اسمها ونوعها كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم برئ من كل العصبيات حيث قال: " ليس منا من دعا إلى عصبية،وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية "

  ومن المعلوم لدى الجميع ما قال الله تعالى في محكم تنزيله ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ﴾ سورة آل عمران-103) وفي هذا السياق قد حذر القرآن من التفرق والاختلاف ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ (سورة آل عمران-105).ولا يقدر الإنسان الذي يعيش تحت إطار المجتمع أن يستحسن حياته الأسروية و الاجتماعية الا بملازمة الوحدة والألفة بين الناس بتبادل المحبة والمعاونة والمساعدة.وإشارة القرآن إلى هذه مما يجدر بالذكر كرسالة إنسانية عليا سيما في العصر الراهن الذي قلما يوجد به أصحاب المعاونة الخالصة وأهل المودة الصافية. والقرآن يوجب التعاون ويأمر به بشرط أن يكون بقصد الخير دون أن يكون في مجالات الفاسدة؛ ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة-2)

ومقتضى ذلك أن يشد القوي أزر الضعيف، وأن يأخذ الغني بيد الفقير، وأن ينور العالم الطريق للجاهل، وأن يرحم الكبير الصغير، كما يوقر الصغير الكبير، ويعرف المستمعين إلى العالم حقه، وأن يقف الجميع من المجتمع صفا واحدا ونفسا واحدة في مواجهة الشدائد كأنهم بنيان مرصوص.ومن مظاهر هذا التعاون والتراحم والتناصر التكافل بين أبناء المجتمع؛ وهو تكافل مادي ومعنوي، واقتصادي وسياسي، واجتماعي وثقافي إلى غير ذلك.ويبدأ هذا التكافل بين الأقرباء بعضهم على بعض، كما يفصل عن ذلك في نظام النفقات في شريعة الإسلام؛ فالقريب الموسر ينفق على قريبه المعسر وفق شروط وأحكام مفصلة في الشريعة الإسلامية.واتسعت دائرة هذا التكافل لتشمل الجيران وأبناء الحي الواحد في البلد الواحد بمقتضى حق الجوار الذي أكده القرآن، وبعد ذلك اتسعت تلك الدائرة لتشمل الإقليم عن طريق الصدقة والزكاة.

من العناصر الأولية الأساسية للأخوة والعلاقة الحسنة بين الناس المحبة والمودة، وهي وصف قلبي في قلب كل حيوان، مع أنه يورث التقرب والتمايل بين المتحابين. يقول الله تبارك وتعالى في القرآن العظيم ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم-21). أي جعل بينكم بالمصاهرة والختونة مودّة تتوادّون بها , وتتواصلون من أجلها , ورحمة رحمكم بها , فعطف بعضكم بذلك على بعض. ولها مراتب وافرة ودرجات عديدة؛ فأدنى درجات المحبة سلامة الصدور من الحسد والبغضاء والحقود وأسباب العداوة والشحناء. ويتحدث القرآن عن الخمر والميسر وهما من أكبر الكبائر الموبقة في نظر الإسلام، فيجعل العلة الأولى في تحريمهما هي إيقاع العداوة والبغضاء بين من يواجهه الشخص، على الرغم أن لهما من مضار كثيرة ومساويئ ظاهرة أخرى فيقول الله تبارك وتعالى ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ (المائدة-91)

  يحفظ في قلبه تلك الأوصاف الذميمة التي لا تليق لقيادة عيش رحيب في المجتمع، ولقد بين القرآن أهمية الإبعاد من تلك الأخلاق الرذيلة مثل الحسد والحقد، والغضب والبغض، والعجب والكبر، والرياء والخيانة إلى غير ذلك.وعليه أن يؤمّن جميع أعضاء مجتمعه من لسانه ويده حتى من قلبه.وهذا الذي تقول الآية القرآنية في سورة الحجرات ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ (سورة الحجرات-11-12)

  وينبغي أن لا يجترئ أحد منا على الاستهزاء أو السخرية بمن تقتحمه عينه، كما إذا رآه رث الحال، أو غير لبق في محادثته؛ كأن يكون به لكْنَةٌ أو لدغةٌ، أو أن يكون ذا عاهة في بدنه أو غير ذلك فالمعنى: أنه يجب أن يعتقد كل إنسان أنه ربما كان المسخور منه عند الله خيرًا من الساخر؛ لأن الناس لا يطلعون إلا على ظواهر الأحوال، ولا علم لهم بالخفيات، وإنما الذي يزين عند الله طهارة الضمائر وتقوى القلوب، وليس لهم اطلاع على ذلك؛ لأنهم عن علم ذلك محجوبون. ومن يدري؛ فلعل المسخور منه أخلص ضميرًا، وأنقى قلبًا، وأطيب عملًا من ذلك الساخر الأفَّاك الأثيم.

  ويذكر الله جل وعلا عن النهي من العيب والطعن في الناس، واللمز: هو الطعن والضرب باللسان، والهمز: هو اللمز من الرجال والنساء، وهو مذموم ملعون عند الله وعند الناس، ومأواه جهنم وبئس المصير. ويقول تعالى في سورة أخرى: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾( الهمزة:1) معناه أن لا يعيب البعض على بعض؛ لأن الناس كنفس واحدة، فالهمز بالفعل واللمز بالقول، كما قال عز وجل: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾(القلم-10 ) أي: يحتقر الناس ويهمزهم، طاغيًا عليهم، ماشيًا بينهم بالنميمة.ومع ذلك هنا أمر ملحوظ إسلامي،هو أن الذي حرم الدين من الهمز واللمز ما قصد منه التفكه وإضحاك الناس، أما إذا كان المهموز أو الملموز فاسقًا أو كافرًا أو تاركًا لأوامر الشرع أو فاتكا لأعراض الناس وممزقها فإنه يجب ردعه وتأديبه، وتنفير الناس عنه؛ حتى يرجع مما هو فيه ، وليس هذا همزًا ولا لمزًا، ولا غيبة ولا نميمة؛ لأنه قيام بالمعاني الإنسانية، ومقصود لإقامة الحق والقيم الجليلة لا للأغراض النفسية، والمقاصد الدنيئة.

  وكذلك لا يجوز لأحد أن يتتبع عورات الآخرين أو يخوض في أعراضهم، أو يشهّر بهم وبذكر أسمائهم من دون مسوغ شرعي لأن تتبع أخبار الناس والتجسس عليهم محرم، كما أن التشهير بالفضائح والجرائم مما حذرت عليه الشريعة الإسلامية لما أنه يعد انتهاكا لما أمر الله بستره من التشهير بالناس، والتشهير لا يؤذى المخطئ فحسب، بل يؤذى اسرته واقربائه وأهله أيضا. وعلاوة على ذلك، وقد اتفق الفقهاء على أن ستر الجريمة أولى من الفضح؛ وأما نشر أخبار الجريمة اذا تم فإنما ليعتبر الناس، وقد قال الفقهاء إن من رأى جريمة فالستر أولى من الفضح لما أن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (سورة النور-19)

  وقد وضح القرآن الكريم جميع التوضيح كيفية المعاملة بين الناس والمواجهة إليهم والتعايش بينهم كما نرى البيان عنها في سورة لقمان.والنبي لقمان عليه السلام يقول لابنه حينما يعظه ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ -كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير﴾ (سورة لقمان- 17-19). وبالنسبة إلى الإنسان الذي يعيش في فضاء المجتمع أنه قد يواجه عديدة من التجربات الإيجابية والسلبية، فلا بد له إلا بالقيام بإجراء المعروفات وبالقضاء على المنهيات والمنكرات.وكذلك يطلع على أزمات كثيرة ومشكلات وافرة في حياته، ويأمر القرآن لملازمة الصبر والحلم في ذلك الوقت بأن لا يلاطم وجهه حينئذ.

  وينبغي له مراعاة الأخلاق الحميدة مع من يتعامله فلا يصرف وجهه من مخاطبه تكبرا ولا يظهر علامات العجب والتكبر حتى في مشيه و كلامه وصوته وقد تكلم الله سبحانه وتعالى فيما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صحابه الأعمى ابن أم مكتوم بعبس وجهه له ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ، أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ ﴾ (سورة عبس1-2) وما أروع منظورات القرآن لرعاية المفاهيم الإنسانية على كل معناها...!

لا ريب في أن القيم هي التي تمكِّن الأفراد من البطولات والزعامات، والسبق والريادة، كما تساعد المجتمعات على الرقيِّ والتقدم؛ باعتبار هذه القيم من مرتكزات الحضارة الإنسانية. ودعوة القرآن الكريم إلى ترسيخ قيمة التعارف في أذهان البشرية تعني تمامًا إيجاد القواسم المشتركة بين بني البشر، وهي دعوة فيها تنبيه واضح لهذا المخلوق ليدرك طبيعته العقلية والنفسية أولًا، ثم طبيعته الشمولية ثانيًا، ثم دوره في الاستخلاف وتعمير الدنيا، وكلُّها قيم ومقاصدُ لا تتأتَّى إلا بترسيخ هذه الرسالات القيمة.

 


لتزويد مجلتنا المطبوعة

إضغط هنا