هل الحرب تعود بحلول ناجعة؟
هل الحرب تعود بحلول ناجعة؟
- ٨ ٱلْمُحَرَّم ١٤٤٤
- أسامة الرحماني (باحث الدكتوراه في كلية أم،أي،أس ممباد)
إن حسم المعركة مما تنفر منه النفوس وتبذل البشرية جهودا مضنية لتفاديه منذ العهود المنصرمة لما أنها طالما تصبح طاحنة ودامية ولا تمثل إلا الأخطار بعيدة المدى كما أن إخماد نيرانها ليس خرط القتاد كإضرامها بالإضافة إلى أن طرفيها يتكبدا خسائر فادحة تاركين عواقب وخيمة في شتى مجالات الحياة ولا يمكن إعادتها إلى ما كانت عليه بعدما مرت بما قصفته ريح الحرب إلا بسعي حثيث يتفقر إلى مدة طويلة.
نحن في الذكري ال77 لحادثة قصف ذري في هيروشيما وناغازاكيى، مدينتين كبيرتين في اليابان التي كانت نهاية حرب ضروس بين دولتين كبيرتين، أمريكا ويابان، وذلك حينما أسقطت قاذفة القنابل الأمريكية من طراز "بي-29" قنبلة تسمى "بالولد الصغير" التي لم تختبر من قبل فوق مدينة هيروشيما في تمام الساعة الثامنة وخمس عشرة دقيقة يوم السادس من أغسطس عام 1945 والذي يعد أول استخدام للسلاح الذري في تاريخ البشرية جمعاء وكانت هذه القاذفة تحمل قنبلة تحتوي على 60 كيلوغراما من مادة اليورانيوم-235 وألقتها بالمظلة فانفجرت على ارتفاع 250 مترا فوق المدينة
ولا يخفى على أحد أن هذا القصف فوق مدينة هيروشيما قد أتى بمهالك وقد قالت السلطات اليايانبة "إن هذه القنبلة انفجرت وانتشر مداها على محيط 1.6 كيلو متر مربع، والنيران التي أوقدتها على محيط 11.4 كيلو متر مربع فأودت بحياة من يتراوح عدده ما بين 70 و80 ألفا من نسمة، وتم تدمير 90 في المائة من مباني المدينة وبنيتها الأساسية وارتفع عدد الضحايا إلى نحو 140 ألف بحلول ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه مع أن الآلاف الأخرى قد تعرضوا بالتسمم الإشعاعي والأمراض المرتبطة به في العقود التالية.
بعد ثلاثة أيام من قصف هيروشيما في التاسع من الشهر ذاته في الساعة الحادية عشرة ودقيقتين صباحا، قررت السلطات الأمريكية إرسال القاذفة "بي-29" حاملة القنبلة "الرجل البدين" وأسقطت على ناغازاكي قنبلة كانت تحتوي 6.4 كيلو غرام من اليورانيوم-239 على ارتفاع 469 مترا، التي أسفرت عن قتل نحو 47 ألفا من سكان المدينة على الفور كما كان محيط الدمار 1.6 كيلومتر مربع ومحيط النيران التي أضرمها الانفجار 3.2 كيلومتر وعدد القتلى في العام ذاته هو 80 ألفا.
ورغما من مرور أكثر من سبعة عقود لهاتين الحادثتين في المدينتين اليابانيتين، تستمر تداعيات القصف الذري في الأجيال الناشئة حيث الآثار النفسية والصحية لا تبرحهم بل لا يزالون يبلون بها بلاء حسنا ويتم تضييق الخناق عليهم، حين تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من مائتي ألف شخص توفوا جراء القبابل الذرية بحلول عام 1950م بسبب السرطان وغيره من الآثار الطويلة المدى.
أما العصر الراهن فهو لا يخلو من الحرب أيضا، حيث تستمر بين روسيا وأوكرانيا كما دارت بين إسرائيل وفسطين من قبل، بجانب أنها تحلق فوق رؤوس شعبي صين وأمريكا، الدولتين الكبيرتين النوويتين، أما الحرب التي بدأت قبل شهور قليلة بين روسيا وأوكرانيا الدوليتن النوويتين فقد أصبحت حديث العالم كله إذ أن روسيا هي ثاني أكبر دولة نوويا بينما الآخر تبعد عنها بكثير في قائمة الدول النووية إلا أن هاتين الدولتين قد تعرضتا لخسائر لا يستهان بها.
إن عدد الجنود الروس الذين لقوا مصرعهم في أوكرانيا يتراوح بين 12 ألفا و15 ألفا، حسب ما يشير إليها التقارير في منتصف مايو الماضي، بينما الجنود الأوكراني لقي منهم 2500 أول 3000 جندي حتوفهم وفق آخر بيان رسمي من كييف صدر في نهاية مارس الماضي مع أن الخبراء يرون أن أوكرانيا ربما تكون فقدت نحو 15 ألف جندي كما أن البيانات تشير إلى أن الدولتين تكبدتا خسائر جسيمة في أسلحتهما حيث إن أكثر من 700 دبابة روسية قد فقدت الذي أدى إلى فقد جزء كبير من مخزونه في أثناء الحرب، وتنفيض الغبار عن الدبابات القديمة للجيش السوفياتي السابق بينما تكبدت أوكرانيا خسائر أقل بالنسبة إلى خسائر خصيمها.
هكذا كل الحروب تسببت في مصرع عدد كبير من المدنيين وتضييع شريحة كبيرة من الموارد الطبيعية بدون جدوى وربما تستغرق سنين طويلة كما كانت في الجاهلية مثل حرب البسوس التي قامت بني قبيلة تغلب بن وائل وقبيلة بكر بن وائل بعد قتل جساس بن مرة الشيباني البكري لكليب بن ربيعة التغلبي انتقاما لخالته البسوس بنت منقذ وهي من قبيلة بني تميم بعد أن قتل كليب ناقة كانت لجارهاسعد بن شمس الجرمي، في حين حرب داحس والغبراء بين فرعين من قبيلة غطفان هما عبس وذبيان، تعد هي الأخرى من أطول الحروب التي عاشها وخاضها العرب في الجاهلية.
أما الإسلام فقد حط من قدر الحروب وتعاليمه السمحة حرضت الأنام على الابتعاد عنها وإحلال السلام مكانها ولاتأمر أبناءها بها إلا إذا اضطروا إليها بعد أن كانوا لايجدون سبيلا غيرها وهم قوم لا يتعطشون للدماء ولا يشهرون السيوف في وجه من سالمهم، بل إنما يقاتلون من قاتلهم كما يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (سورة البقرة: 190)، والأحاديث النبوية ترشد المسلمين بأن الحرب مما يحب كراهته حتى اسمها، قال النبي عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم: تَسَمَّوْا بِاَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلى اللهِ عَبْدُ اللهِ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةٌ (رواه أبو داود)
المسلمون يصبرون على أذى عدوهم من غير ضعف ويتسامحون مع عدوهم من غير خوف فإن أبى الخصوم إلا الحرب فلله الأمر من قبل ومن بعد وذلك بقوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (سورة الحج 39-40) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : لاتتمنوا لقاء العدو وسلو الله العافية وكل هذه التعاليم تدل على أن المسلمون ليسوا من دعاة الحرب.
أما إذا خاضوا الحرب فهم كرماء شرفاء أوفياء حين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة، ولا تغدوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وأيضا قال أبو بكر رضي الله عنه لأحد قادة جيوشه وقد خرج لقتال العدو: لا تقتلوا كبيرا هرما ولا امرأة ولا وليدا ولا تخربوا عمرانا ولا تقطعوا شجرة إلا لنفع ولا تذبحن بهيمة إلا لنفع ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه ولا تغدر ولا تمثل ولا تحبن ولا تغلل. ومن مبادئ الإسلام في الحرب بعد أن تضع الحرب أوزارها الامتناع عن التمثيل بقتلى الأعداء بتقطيع أنوفهم وآذانهم كما يأمر بدفن القتلى بعد المعركة فهو دين يعظم قدر الإنسان وكذلك يتم الإحسان إلى الأسرى وإطعامهم وسقايتهم الماء حين يقول فيهم: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (سورة الإنسان _ 8)
ولقد كانت الحروب في عهد رسول الله عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم ولكن خسائرها أقل منها في زمننا الحاضر، أما عدد الذين لقوا حتفهم في كل غزوات الرسول 262 شهيدا بينما يبلغ عدد قتلى الأعداء 1022 قتيلا على مدار عشر سنوات كاملة. وعند النظر إلى من شاركوا في الحرب العالمية الثانية نجدهم 15,600,000 جندي ومع ذلك عدد القتلى 54,800,000قتيل! أي أكثر من ثلاثة أضعاف الجيوش المشاركة وذلك بأن المشاركين كانوا لا يقصدون من قاتلوهم بل إسقاط الآلاف من المتفجرات على المدن والقرى الآمنة البريئة أهلهم فتبيد البشر وتطيح بهم وتأتيهم بالمهالك فضلا عن تدمير البنى التحتية وتخريب الاتقصاد وتشريد الشعوب.
وبالجملة، يتبين مما مر من أدلة وبراهين الخسائر في الحروب قديما وحديثا أن الحروب كثيرا ما تعود بالمهالك والأخطار وتجعل الوضع أسوأ مما كان في مجالات المحيا بحذافيرها أما الحديث من نوعها فصارت أكبر خسارة وأشد إبادة.