فضيلة الشيخ بابو المسليار-كوتوملا (رحمه الله) عديم المثال في دائرة الريادة والدراية
فضيلة الشيخ بابو المسليار-كوتوملا (رحمه الله) عديم المثال في دائرة الريادة والدراية
- ٤ ٱلْمُحَرَّم ١٤٤٢
إن من حسن حظنا أن بلادنا كيرالا قد أنجبت علماء أجلاء وأمراء أذكياء يخدمون أبنائها في مجالات حياتهم الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والدينية وما إليها مما يقودهم إلى حيز أفضل من ظلمات الجهل والضلالة التي تتراكم بعضها فوق بعض. وبهم تطورت شتى ميادين ساكني كيرالا وتوسع نطاق حياتهم بقصارى جهودهم الدؤوبة بغض النظر عن حياتهم الشخصية. ويجدر بالقول إنه كان لعب دروا حاسما بهذا الصدد خاصة في تثبيت أقدام الجالية المسلمة على الملة السمحة رغما من كدورة الأجواء هم العلماء العاملون منذ القدم. وتولى من بعدهم زمام تطور الأمة علماء عاملون من جمعية العلماء لعموم كيرالا. ومن أبرزهم الذين توفوا تاركين ثلمات لا تسد فضيلة الشيخ بابو المسليار-كوتوملا.
ولد الشيخ في اليوم العاشر من شباط عام 1952م، الرابع عشر من جمادى الأولى 1371 هـ، وكان ذا رجاحة العقل منذ نعومة أظفاره ويتفوّق في الشؤون بأسرها وكانت دراسته الإبتدائية من نظام ’الدرس‘ في مسجد قريب من بيته، ثم تلقى العلوم من مدرسة الفلاح في عقر دراه ثم انتقل إلى مسجد ببرفننغادي، وأخذ العلم من أبيه الذي يقود درس هذا المسجد. هذا الدرس مشهور، تخرج منه عباقرة العلماء وجهابذتهم الذين ذاع صوتهم وصيتهم داخل الولاية وخارجها مثل فضيلة الشيخ شمس العلماء أبي بكر المسليار وفضيلة الشيخ كي وي محمد المسليار- كوتناد، ثم ذهب الشيخ مع أبيه إلى الجامعة النورية العربية بفيضاباد في الثاني عشر من عمره بعد قضائه سنة ببرفننغادي وذهب بعده إلى الدرس بآلتوربدي، وتلقى كثيرا من العلوم من أستاذه الفاضل هناك فضيلة الشيخ كي كي أبي بكر حضرة وبعده ذهب إلى الكلية الأنورية ببوتيتشيرا، بعد سنة واحدة انتقل إلى الجامعة النورية من جديد بعد سنتين وأخذ العلوم المختلفة والمعارف المتفرقة عن أفواه نخبة من كبار العلماء الفطاحل المشهورين حتى أكمل دراسته بعد قضاءه أربع سنوات هناك. ثم تخرج منها حاملا شهادة ’’الفيضي‘‘.
مما يلفت عنايتنا ويسترعي إنتباهنا إلى النعم الموهوبة له أنه تزوج بنت رجل عظيم إسمه فضيلة الشيخ بابو المسليار بجافننغاد، وكان عظيم الشأن وأحد قادة الأمة المسلمة الذين ينيرون قلوب المسلمين بالنور الإلاهي آنذاك، واسم زوجته ”صفية“ وكل أولاده منها وكان هذا الزواج في التاسع عشر من عمره قبل إتمام دراسته في الجامعة النورية.
وكان عالما فاضلا كوالده فضيلة الشيخ أبي بكر المسليار كوتوملاي تبحر في العلوم العديدة والفنون المزيدة وفاق أقرانه فيها، وترعرع الشيخ في أسرة عريقة بالعلم لذلك رسخت علومه في قلبه حتى لا يمكن محوها منه. وهو أحد ممن تدخلوا في شؤون المجتمع وأمورهم قاطبة تدخلا لا خلاف ولا نزاع بعده، لذا كان الناس يصغون إلى كلامه عندما يهمهم أمرما. ويستشيرونه في جميع معاملاتهم وممارساتهم لمهارته وقدرته على حل القضايا والمشاكل التي يعانون منها. ومن خصوصياته أنه يتوصل إلى الحلول كلما أتاه أية قضية بأسرع وقت ممكن. كرس حياته لصالح الأمة، وسعى له، وأبدى تصريحاته القيمة بمبادئ الإسلام السمحة، حينما يوجه معارضو الإسلام الإتهامات التى لا صلة لها بالواقع، ولم يزل لسانه بين أيدي الأعداء الألداء مع كثرة عددهم وعددهم وتعدد أسئلتهم. لأنه كان ناصر دين الله الحنيف ومؤيدا له من الله عز وجل.
قام شيخنا كوتملا بابو المسليار بإسهامات جليلة لإعلاء كلمة الله العليا وكان خطيبا بارعا مصقعا يدحض حجج المفترين والمبتدعين نصب عينيهم بدون صعب وعسر. وبدأ خطباته هذه في زمن دراسته بإجازة من الأساتذة الفضلاء واستمرت كلماته صريحة بسيطة سهلة تبسط اللثام عن الدعاوي الزائفة والزعائم الباطلة كلما يظهر الطرائق المضللة تضل بها الأفهام وتزل بها الأقدام حتى فارق الدنيا.
ومن أجلّ خدماته العظيمة أنه أرضع مائات الطلبة العلوم والمعارف وظل خادما للعلوم في أمكنة عديدة مثل المسجد الجامع بأربرا بسبعين وثلاث مائة طالب بين خارجي الوطن وداخليه ثم أمره أبوه فذهب إلى الجامعة دار السلام بنندى بمقاطعة كاليكوت. ثم ارتحل بعدها للحج. ومن بعده تشرفت الكلية الرحمانية العربية بكدميري بحضوره الشريف وتدريسه هناك نحو أربعين سنة وعين عميدا لها بعد بضع سنوات وظلت هذه الكلية مركزا للعلوم والفنون حتى بلغت قمة الشهرة وذروة السمعة.
مما لا يختلف فيه إثنان أن هذه الكلية وأبنائها ومن يتعلق بها لمدينون له ببالغ الشكر وسابح الحمد. لأن في كل تطوراتها دوره الريادي الذي لا يرفض، ومن نافلة القول هناك كليات لمة وجامعات جمة يديرها أبناء الأمة المسلمة في عصرنا الراهن داخل الولاية ولكن الكلية الرحمانية قد تلقى رواجا واسعا في زمن لايوجد نظيرها في كيرالا إلا قليلا جدا وفي وقت نفسه يضرب إلي خريجيها أكباد الإبل ويشد إليهم الرحال حتى من كل فج عميق ومن البلدان البعيدة إن هذه المكانة والمنزلة العالية إنما حظيت الكلية بها بمجهوداته الخاصة وقد عني الشيخ بالتدريس العلوم الشتى بين القديمة الصالحة والجديدة النافعة ويحرض طلبته على الحصول على كلتيهما.
حينما كانت هذه الكلية في الأيام الضائقة أتى إليها فضيلة الشيخ بابو المسليار. فقدم مشاريع متعددة لجمع المال وكان يطوف على ذوي المال لهذه الكلية، وعاني في سبيلها حفنة من المشاكل وسافر في بلاد عديدة لصالح الكلية ولم ينشب أن فتحت سبلا كفيلة وطرائق ملائمة إلى الأمام ثم صعدت المنازل والمراقي درجة بعد أخرى وتدخل الشيخ في أمورها التعليمية فحسب بل في شؤونها الإدارية أيضا فأصبحت ذات المعاهد والمؤسسات الكبيرة ذوات العدد المتعلقة بها
ومن مزاياه البارزة أسلوب تعليمه السهل المعقول يدرك دروسها كل من سمع بدون صعب لأن تدريسه كان بكلمات بسيطة وبأمثلة سائرة يمكن فهمها فجأة. ويفصل كل ما حقه التفصيل من مواضيع تتعلق بعقيدة الأمة ويتيح الطلبة فرصا للسؤال ويجيبهم غير تارك مجالا للشك والشبهات مشبعا لهم وشافيا لغليلهم. ويشرف على الأعمال المنهجية واللامنهجية ويقوم بتوجيهات ذات الحكمة ليس فوقها حكمة ويرشدهم ويهديهم إلى الصراط المستقيم
إنه قام بخدمات جليلة للأمة وتولى عدة مناصب وأداها حق الأداء من غير تقصير وكان قاضيا لعدة محلات وأمينا لشتى مؤسسات ومعاهد وعمودا فقريا لجم غفير من المنظمات واللجنات. انتخب الشيخ عضوا إلى مشاورة جمعية العلماء لعموم كيرالا في 8 أيلول عام 2004 م. هذه الجمعية لعبت ولم تزل تلعب دورا قياديا في ميادين الملة الحنيفية بحذافيرها ولو لم تكن هذه الجمعية لكانت الأمة تئن تحت وطأة أغلبية البلاد كما في جميع أرجاء الهند ثم تدرج الشيخ إلى السمو بعلو كعبه حتى أصبح أمينا لجمعية العلماء وأمينا عاما للجنة التعليم الإسلامي لعموم كيرالا والجهة الداعية للجنة الفتاوي ورئيس الولاية لجمعية المفتشين هذه برمتها حسبما يقتضيه المكان ويتطلبه الزمان.
استمرت أعمال الشيخ البارزة في جمعية العلماء حتى آخر رمقه وجُل أعمال الجمعية كانت بقيادته أيضا لأنه كان ماهرا في التنظيم ما قام بقيادة أي منظمات ولجنات تابعة لها وغيرها إلا وشهدت أعظم تطوراتها وتقدماتها في التاريخ وأصبحت الجمعية مقبولة لا مردودة لدى عامة الناس وخاصتهم يصغون إلى كلمات جمعية العلماء في زمنه لأنه أسرع من يتخذ قرارا وموقفا ويعلنهما في وقت مناسب حتى ضد الحكومة كلما أصدرت قرارات ضد المسلمين مثل مناقشات ومناوشات حول كتاب مدرسي ودار الأيتام وعمر زواج النساء والطلاق الثلاثي وغيرها مما يريد به الأعداء إطلاق السهم إلى تعاليم الدين البهية ودافع الشيخ عن أهل السنة والجماعة من كل الشوائب وذاد عن أبنائه من كل العوائب.
هنا يطيب لى أن أسرد قول رئيس جمعية العلماء الآن سيد العلماء السيد موتو كويا الجفري عن تدخلات الشيخ كوتوملاي وهو يذكره "مارأيته قط يذهب أثناء جلسات لجنة المشاورة وكان يأتي إليها في وقتها المحدد والموعود بدون تأخير ويفرغ منها بعد تمام الجلسات وكذلك في لجنة الفتاوي وله مهارة ومقدرة على إفهام الأمور لجميع مشاركيها وكان يدعوني في كثير من التحكيم للقضيات قائلا إننا نستطيع لتكوين الحل لها".
يقول فضيلة الأستاذ ناصر الفيضي الكودتاي أمين الولاية لجمعية الشبان للسنيين ”إتصل بي هاتفيا وزير الحج الدكتور كي.تي جليل في الساعة التاسعة ليلة وفاة الشيخ وقال قد تم قرار دفن فضيلة الشيخ مع التكريم الرسمي وأرجو الإذن من أساتذتكم؟ فقلت: سأقول بعد المشاورة مع بابو المسليار فلم يفهم الوزير قولي وقلت أيضا بدون طول فصل أردك بعدما سألت الأساتذة عنه“. هذا دليل على أن الشيخ كان المرجع في كل الأمور والفريد الفذ الذي يتصرف في الشؤون جميعها ووحيد عصره الذي يستشير إليه العلماء الكبار وأكبر شجاع يملك الإقدام لا الإحجام ويعبر عن مواقفه أمام الأمراء والوزراء.
وبالإضافة إلى ذلك كان يتولى مناصب أخرى سياسية وغيرها كان مسؤولا رئيسيا لكلية الهندسة تجري بقيادة جمعية العلماء، وكانت هذه الكلية ظفرت بطفرة باهرة، وقد إستهزأ أصحاب السلطة بمسؤوليها عندما قامت لجنة معينة بتقديم مشروعها ولكن تم إقراره بالمجهودات الشاقة من قبل اللجنة وكان فضيلته من أعضائها. هذه الكلية لاتزال مستمرة مع صعودها وازدهارها وكان أمينا عاما لها في آخر حياته.
وفي نفس الوقت كان رئيس لجنة الحج لولاية كيرالا ومن الجدير بالذكر أنه انتخب مرتين في نفس المنصب. وذلك لتفانيه و تدخلاته في أمور الحج وإستمر في منصبه سنين حتى وافته المنية سنة 2017م. وكان لا يراه أداة الشهرة والسمعة بل يعمل لأجله أقصى ما في وسعه وقد شهدت الولاية نشاطا فعاليا تطورات ملحوظة تاريخية تحت هذه اللجنة برئاسة فضيلته يقول إي تي محمد بشير عضو لجنة الحج المركزية وعضو مجلس النواب لا غور إن قلت إن فضيلته كانت أكبر رؤساء هذه اللجنة الذين شهدتهم الولاية نشاطا وفعالية وهو يجتهد لصالح الحاجين ليلا ونهارا سرا وجهارا إذا كان موسم الحج إنما يرجع من مخيم الحج إذا رجع المنسوبون كلهم ويأتيه قبل مجيئهم إليه وقد تعجب ضباط اللجنة وسلطات المطار من حيويته في معظم الأحيان ولا أدري أيحترمونه أم يحبونه. ولما نقل ركوب الحج إلى ندمباشيري مؤقتا أقام هناك مدة طويلة. وبالجملة أصبحت اللجنة ملجأ ومقرا لمن يريد الحج بلا مشقة ولاصعب في عصر رئاسته.
أما جريدة سبرباتم وهي تدل على أنه كان يتمتع بعزائم متفوقة وقوى الإرادة لا مثيل لها ولا شبيه ومن الحقيقة كفلق الصبح أن دارت المباحث مما لا تحصى ولا تعد حول نشر جريدة تحت جمعية العلماء مند عقود وذلك لما دعت الحاجة إليه من عدم مجال لنشر الأخبار المتعلقة بالأمة المسلمة والمدافعة عنها إرجافات الأعداء وإفتراءات المفترين وغيرها. ولكن هذه المباحث باءت بالفشل وذهبت الأوقات المبذولة بصددها أدراج الرياح بدون جدوى. أخيرا تقدم ما دار بين المنسوبين من مناقشات حولها إذ تولت فضيلته زمام الإشراف عليها وأنه بذل أوقاته الثمينة لتأسيسها ولم يكن مجربا أو خبيرا في هذا المجال ولكن تدخلاته تدل على أنه موفق من عند الله وأن لديه خبرة سنوات طويلة
صحيفة سبرباتم من عجائب الدنيا إذ تم تدشينها بكثرة المشتركين حيث يقول توماس جيكب مستشار التحرير لصحيفة ملايالا منوراما وهي من أكبر الصحائف رواجا في ولاية كيرالا في حفلتها الإفتتحاية "ما هذه الصحيفة إلا عجيبة تصدر بست طبعات وخمس مائات آلاف من المشتركين".
وهكذا تطول إسهاماته القيمة التي هي خرط القتاد وصعب المنال والحصول وكانت أكثر من أن يستطيع أحد من الناس في حياته الدنيوية وكل هذه المعاني التي لازمت فضيلته جعلت الناس يتطلعون إليه ويرفعون إليه الهامات ويترقبون مقاله وإنتقل فضيلته إلى رحمة الله في الثلاثاء في الحادي عشر من ربيع الآخر عام 1438 هـ الموافق للعاشر من كانون الثاني سنة 2017 م تاركا مجموعة من المؤسسات والمحاضرات والمقالات وخالدا في قلوب الناس جميعهم في كل حين وآن. أعطانا الله خلفا، آمين.