الصلاة على النبي ﷺ
الصلاة على النبي ﷺ
- ٤ ٱلْمُحَرَّم ١٤٤٢
إن نعم الله تعالى على عباده كثيرة لا تحصى وأعظم نعمة أنعم الله بها على الثقلين الجن والإنس أن بعث فيهم عبده ورسوله وخليله وحبيبه وخيرته من خلقه محمداً صلى الله عليه وسلم يخرجهم به من الظلمات إلى النور وينقلهم من ذل العبودية للمخلوق إلى عز العبودية للخالق سبحانه وتعالى يرشدهم إلى سبيل النجاة والسعادة ويحذرهم من سبل الهلاك والشقاوة وقد نوه الله بهذه النعمة العظيمة والمنة الجسيمة في كتابه العزيز :"لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" .وقال سبحانه وتعالى :هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.
وقد قام عليه أفضل الصلاة والسلام بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة والنصح للأمة على التمام والكمال فبشر وأنذر ودل على كل خير وحذّر من كل شر وأنزل الله تعالى عليه وهو واقف بعرفة قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بمدة يسيرة قوله تعالى :اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.
وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على سعادة الأمة غاية الحرص كمال قال الله تعالى منوها بما حباه الله به من صفات جليلة : "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " .وهذا الذي قام به صلى الله عليه وسلم من إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة والنصح للأمة هو حق الأمة عليه كما قال الله تعالى : " وما على الرسول إلا البلاغ ". وروى البخاري في صحيحه عن الزهري أنه قال : من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم.
وإن علامة سعادة المسلم أن يستسلم وينقاد لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " وعبادة الله تكون مقبولة عند الله ونافعة لديه إذا اشتملت على أمرين أساسين :أولهما : أن تكون العبادة لله خالصة لا شركة لغيره الثاني : أن تكون العبادة على وفق الشريعة التي جاء بها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى : " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم "
ولما كانت نعمة الله تعالى على المؤمنين بإرسال رسوله صلى الله عليه وسلم إليهم عظيمة أمرهم الله تعالى في كتابه أن يصلوا عليه ويسلموا تسليما بعد أن أخبرهم أنه وملائكته يصلون عليه فقال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً " . وبين النبي صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وكيفيتها وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بها..
معنى الصلاة عليه
صلى الله عليه وسلم
صلاة الله على نبيه صلى الله عليه وسلم فسرت بثنائه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة عليه فسرت بدعائهم له فسرها بذلك أبو العالية كما ذكره عنه البخاري في صحيحه في مطلع باب " إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً " وقال البخاري في تفسير صلاة الملائكة عليه بعد ذكر تفسير أبي العالية قال ابن عباس : يصلون يبركون أي يدعون له بالبركة .
وفسرت صلاة الله عليه بالمغفرة وبالرحمة كما نقله الحافظ ابن حجر في الفتح عن جماعة وتعقب تفسيرها بذلك ثم قال : وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية أن معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله تعالى والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة ، وقال الحافظ : وقال الحليمي في الشعب : معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه فمعنى قولنا اللهم صلى على محمد عظم محمداً والمراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وإبداء فضيلته بالمقام المحمود وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى :" صَلُّوا عَلَيْهِ " ادعوا ربكم بالصلاة عليه".
وقال ابن القيم في كتابه جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام في معرض الكلام على صلاة الله وملائكته على رسوله صلى الله عليه وسلم : وأمر عباده المؤمنين بأن يصلوا عليه بعد أن رد أن يكون المعنى الرحمة والاستغفار ، قال : بل الصلاة المأمور بها فيها - يعني آية الأحزاب - هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته وهي ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه فهي تتضمن الخبر والطلب وسمى هذا السؤال والدعاء منا نحن صلاةً عليه لوجهين أحدهما أنه يتضمن ثناء المصلى عليه والإشادة بذكر شرفه وفضله والإرادة والمحبة لذلك من الله فقد تضمنت الخبر والطلب والوجه الثاني أن ذلك سمى صلاة منا لسؤالنا من الله أن يصلي عليه فصلاة الله ثناؤه لرفع ذكره وتقريبه وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به "
وأما معنى التسليم على النبي صلى الله لعيه وسلم فقد قال فيه المجد الفيروزآبادي في كتابه : الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر . ومعناه : السلام الذي هو اسم من أسماء الله تالى عليك وتأويله : لا خلوت من الخيرات والبركات وسلمت من المكاره والآفات إذ كان اسم الله تعالى إنما يذكر على الأمور توقعا لاجتماع معاني الخير والبركة فيها وانتفاء عوارض الخلل والفساد عنها ويحتمل أن يكون السلام بمعنى السلامة أي ليكن قضاء الله تعالى عليك السلامة أي سلمت من الملام والنقائص فإذا قلت اللهم سلم على محمد فإنما تريد منه اللهم اكتب لمحمد في دعوته وأمته وذكره السلامة من كل نقص فتزداد دعوته على ممر الأيام علواً وأمته تكثراً وذكره ارتفاعاً.
أما كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين سألوه عن ذلك ,وقد وردت هذه الكيفية من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم, أذكر منها هنا ما كان في الصحيحين أو في أحدهما، روى البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : " ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم فقلت بلى فأهدها إلي فقال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله علمنا كيف نسلم قال قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد "ولقد بين علماء أهل السنة والجماعة صيغا كثيرة تؤدى بها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد درج السلف الصالح ومنهم المحدثون بذكر الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره بصيغتين مختصرتين إحداهما ( صلى الله عليه وسلم ) والثانية( عليه الصلاة والسلام ) وهاتان الصيغتان قد امتلأت بهما كتب الحديث بل إنهم يدونون في مؤلفاتهم الوصايا بالمحافظة على ذلك على الوجه الأكمل من الجمع بين الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم .
يقول الإمام ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث : ينبغي له - يعني كاتب الحديث - أن يحافظ على كتبة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته ومن أغفل ذلك حرم حظا عظيما - إلى أن قال - : وليتجنب في إثباتها نقصين: أحدهما أن يكتبها منقوصة صورة رامزا إليها بحرفين أو نحو ذلك والثاني أن يكتبها منقوصة معنى بأن لا يكتب( وسلم ) وإن وجد ذلك في خط بعض المتقدمين .
وقال النووي في كتاب الأذكار : إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما فلا يقل ( صلى الله عليه ) فقط ولا ( عليه السلام ) فقط .وقال الفيروزبادي في كتابه الصلات والبشر : ولا ينبغي أن ترمز للصلاة كما يفعله بعض الكسالى والجهلة وعوام الطلبة فيكتبون صورة( صلعم ) بدلا من صلى الله عليه وسلم .
فوائد وثمرات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وورد في ذلك أحاديث كثيرة
منها : ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رفعه : " من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا " من صلى علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات " ومنها : حديث ابن مسعود رفعه : " إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة ويطيب لي أن أسرد بعضا من فوائد وفيوضات الصلاة على النبي التي أشارت إليها الأحاديث الواردية في هذا الصدد.
إن الصلاة على النبي باستمرار تحقق أعظم الثمرات منها انطباع صورة النبي -صلى الله عليه وسلم- الكريمة في نفس المسلم واستشعار وجوده في حياته اليومية وسبب لضمان ثبات أقدام المؤمن على الصراط المستقيم يوم القيامة وللبركة في الحياة والزرق وسبب لرحمة الله عز وجل للمسلم وأنها تكفر وتمحو عن المسلم عشر سيئات ويكتب له بها عشر حسنات ويرفع بها العبد عند الله تعالى عشر درجاتٍ بإذنه. وأنها امتثالٌ لأوامر الله تعالى واتباعٌ لسنة رسول الله وأنها من أهم الأسباب التي ترفع البلاء والهموم والغم والحزن عن المسلم المداوم عليها وتفرج عنه الكربات وتحل المشكلات في الحياة.وأنها ترزق المسلم بالخيرات وفيها سبب لاستجابة الدعاء، ولقضاء حوائج الإنسان في الدنيا والآخرة، حيث يستحب الصلاة على النبي قبل الدعاء وبعده وأنها سبب لصلاة الله تعالى والملائكة على المسلم، حيث أن كل صلاة يصليها المسلم على النبي يقابلها عشر صلواتٍ يصليها الله تعالى عليه، وهي كذلك سببٌ من أسباب النجاة من أهوال يوم القيامة. وأنها سبب لتذكير المسلم بما نسيه من أمورٍ في الحياة. وأنها سبب لدوام محبة النبي- صلى الله عليه وسلم - في قلب المسلم وزيادتها ومضاعفتها، مما يؤدي إلى ثبات الإيمان في قلبه واتباعه لسنة النبي في أمور حياته. وأنها تجلب الغنى للمسلم وتنجيه من الفقر والذلة والمسألة. وأنها سبب لهداية قلب المسلم وإنارة حياته وطريقه في الحياة. وأنها تتضمن ذكر الله عز وجل، فهي تعادل الذكر في الأجر والفضل. وأنها سبب لنيل شفاعة النبي-صلى الله عليه وسلم- للمسلم يوم القيامة. وأنها تبعد العبد وتخرجه من الجفاء وتقربه من الله تعالى والنبي -عليه الصلاة والسلام-. وأنها تترك في النفس الأنس والراحة وتشعر المسلم بالسكينة والطمأنينة والقرب من الله والرسول. وأنها تنجي المسلم من مكاره المجالس الذي لا يذكر فيه اسم الله تعالى. وأنها تنفي عن العبد المسلم صفة البخل لعدم ذكر اسم النبي والتصلية عليه، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "البخيل من ذُكرتُ عندَه ثم لم يصلّ عليّ". وأنها سبب لطهارة المصلّي على النبي وتزكية له من المكاره والشرور. وأنها تقوم مقام الصدقة في الأجر والثواب.