pre-loader

المسلمون: هم الأبطال ليوم الاستقلال الهندي

المسلمون: هم الأبطال ليوم الاستقلال الهندي

المسلمون: هم الأبطال ليوم الاستقلال الهندي

  • ١٦ ٱلْمُحَرَّم ١٤٤٤
  • أسامة الرحماني (باحث الدكتوراه في كلية أم،أي،أس ممباد)


                إن الهند تحتفل ذكريات يوم استقلالها بعد أن تم تحريرها قبل 75 عاما من القوات المستعمرة البرتغاليين والفرنسيين والإنجليز وقد كان آباؤنا اضطلعوا بدور فعال مهما كانت أديانهم ومعتقداتهم، لذا إن هذه الحرية التي لا نزال نتمتع بها ليست حكرا على فرقة دون أخرى، بل هي من حقوق من على ربوع الهند. لأن أسلافهم صاروا مُصِرين على نيل استقلالها سنين غير قليلة جنبا على جنب، وقتل المائات من أهاليهم وأخرجوا من ديارهم وأبعدوا عن أبنائهم ونسائهم ونهبت ممتلكاتهم وانتهكت حرماتهم.

                ولكن الأسف، إن من يسجل تاريخ الهند وحريتها تجاهلوا دور المسلمين الهنود في استقلالها وتغاضوا عما فعلوه من المعارك والتظاهرات وعما كتبوه من المؤلفات ضدهم وكيف وقد كانوا في طليعة الجيوش يحرضونهم على الإقدام بأقدام ثابتة دون الإحجام عن أسلحة الأعداء الفاتكة، وإن صح التعبير إن حريتها غير مكتملة بدون عرض دور المسلمين فيها حتى إن بعض العلماء أفتوا بالجهاد ضد البريطانيين.

                 ومن الحقيقة، كان من المسلمين من يحكم بعض أقاليم الهند سنين طويلة ببسالة نادرة غير منقادين لأي قوة من قوى الأحتلال فقد قاتلهم الأمير حيدر علي حامل إمارة إقليم مايسور في جنوب الهند قتالا شديدا وتمكن أن يكبدهم خسائر جسيمة وعواقب وخيمة بعيدة المدى بقدر أن لا يتغلب الإنجليز عليه ثم استخلفه ابنه فتح علي خان المعروف بتيبو سلطان والملقب بنمر مايسور الذي عرف بدقة ملاحظته وبعد نظره بأن الإنجليز سيجعلون بلادهم لقمة سائغة يسيغونها إن لم يقم أحد في وجههم بقوة منظمة وصمود كامل فنحى نحو أبيه حيث واصل الكفاح والمواجهات بكل بشجاعة وحماسة ضدهم حتى استطاع أن يستولي على مقاطعتي بدنور ومنكلور اللتين كانتا تحت أيديهم وألزمهم على توقيع الاتفاقية إلا أنهم نكثوا فتأهب الأمير لمقاتلتهم حتى سقط شهيدا في ميدان المعركة عام 1799م كما حارب الإمبراطور المغولي الأخير بهادور شاه ظفر بقوة لا يستهان بها.

                نتيجة لتلك المكافحات والمقاومات، مورست ضد المسلمين سياسات غير مبررة من محاربتهم في أرزاقهم وأديانهم ومحاولة محو هويتهم وقوميتهم ومنعهم من كل مظاهر الحياة والنظر إليهم بعين الريبة في كل شادرة وواردة والإبعاد عن تولي مناصب الحكم والإدارة والجيش والتربية والتعليم كما منعوهم من استخدام اللغة الرسمية التي كانت لغة رسمية وقتها واستبدلوها باللغة الأنجليزية

                ومن ناحية أخرى، كان هناك كتب عديدة أصحابها أهل الملة الحنيفية تشجع أبناء الهند على أن يقوموا بمكافحة عاتية وهجومات عنيفة ضد كل من احتلوا الهند ومن هذه الكتب كتاب تحفة المجاهدين في بعض أخبار البرتغاليين للشيخ أحمد زين الدين بن عبد العزيز المعبري وسيف البتار للسيد علوي الحضرمي  المنفرمي وغيرهما ولا شك في أن كاتب تحفة المجاهدين كان محبا للوطن ومعاديا لمن ينهب الوطن ويستغل موارده ويذيق أبناءه الويلات والمصائب. ويبين فيه الحالة المأساوية التي وصل إليها المسلمون وقتئذ أنصع بيان حيث يقول "فظلموهم وأفسدوا فيهم وفعلوا فعائل قبيحة وشنيعة لا تحصى من ضربهم والاستهزاء بهم والضحك عليهم إذا مروا بهم استخفافا وجعلهم مراكبهم في محال الماء والوحل والبصق في وجوههم وأبدانهم وتعطيل أسفارهم خصوصا سفر الحج ونهب أموالهم ووطي المصاحف والكتب بأرجلهم وإحراقها بالنار وهتك حرمات المساجد وتحريضهم على قبول قول الردة والسجود لصليبهم وعرض الأموال لهم على ذلك وتزيين نسوانهم بالحلي والثياب النفيسة لتفتين نسوان المسلمين وقتل الحجاج وسائر المسلمين بأنواع العذاب وسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جهارا......" [1]

يعطي لنا الكاتب صور بعض الشخصيات الأبطال من المسلمين الذين قاتلوا الإفرنج بأنفسهم قائلا إن علي إبراهيم مركار وفقيه أحمد مركار وأخوه كنج على مركار خرجوا ومعهم اثنين وأربعين غرابا إلى طرف قائل فلما وصلوا إلى بيت له ونزلوا فيها ولبثوا فيها أياما وصل الإفنرج إليهم مع غربان لهم وحاربوا وأخذوا جميع الغربان التي كانت معهم وتوفي علي إبراهيم مركار في أثناء الطريق[2]وبعد موت على إبراهيم مركار بسنة خرج فقيه أحمد مركار وأخوه كنج على مركار في أحد عشر غرابا إلى سيلان فوصل إليهم الإفرنج وقاتلوهم فقتلهما غيلة[3]كذالك في كثير من المواضع يصف صاحب هذا الكتاب مكافحة أهل كيرلا المسلمين وبطولاتهم وأبرز مدافعاتهم.

                ومن أبرز من قاموا ضد الإنجليز وأذاقوهم أنواعا من الخسائر، محمد أشفق الله خان الذي تآمر ونهب الخزانة البريطانية في لكناؤ لشل الإدارة ورد على سؤال عن رغبته الأخيرة قبل إعدامه أنه يريد ضربة واحدة من تربة الوطن على كفنه، وخان عبد الغفار خان وكان قوميا عظيما قضى 45 سنة من عمره في السجن من أجل حرية الهند، وبركة الله من بوبال أحد مؤسسي حزب غدار الذي أنشأ شبكة من المنظمات المناهضة لبريطانيا.

                جعل المسلمون الأمكان المقدسة ميدان نضالهم ومجال قتالهم ضد الإنجليز وعندما كان الإمام يتحدث عن الحرية الهندية في مسجد هولي وأوترابراديش ويجعلهم وعاةَ عن ضرورة حرية عقر دارهم، أطلق الجيش البريطاني النار على جميع من حضروا فيها، وبالإضافة إلى ذلك أن بوابة الهند خير دليل على أن المسلمين هم الأبطال الحقيقيون لاستقلال الهند إذ أنها مكتوب عليها اسم 95300 مقاتل من أجل حريتها وعدد المسلمين منهم هو 61945 مقاتلا.

                                وقد ساعدهم على مواصلة القتال مع الإنجليز فتوى شريحة كبيرة من علماء الهند الكبار آنذاك وذلك عندما اندلعت ثورة عظيمة عام 1857 وشعر أهاليها بخطرهم الداهم وانتهابهم لثروة البلاد وانتهاكهم بكرامة أهاليها واعتدائهم على ربات الخدور واغتصابهم عرضهم وأراضيهم وامتصاصهم بدمهم، ومنهم مولانا يحيى عظيم آبادي ومولانا محمد جعفر تهانيسري ومولانا فضل الحق خير آبادي بالإضافة إلى مقتل علماء أجلاء آخرى وفي طليعتهم السيد أحمد شهيد ومولانا أحمد الله ومولانا لياقت علي والحاجي إمداد الله التهانوي ومولانا محمد قاسم النانوتوي ومولانا رشيد أحمد الكنكوهي وغيرهم

                وقد نفي نخبة من أبناء الأمة المسلمة جراء ثورة 1857 إلى عدة بلدان مثل الشيخ مولانا أحمد الله العظيم آبادي ومولانا عبد الرحيم الصادق بوري ومولانا أحمد الله ومولانا يحيى علي العظيم آبادي ومن أبرزهم العلامة فضل الحق خير آبادي الذي حكم عليه بالإعدام والطرد إلى جزيرة أندومان سنة 1859م وقد فوضت إليه هناك مهمة الكناسة ثم عندما علم بعلو كعبه وقصب سبقه في الفنون بحذافيرها أبعد عن هذا العمل وكان صاحب التصانيف الكثيرة فوافته المنية بعد إمضاء سنتين في الجلاء سنة 1869م، ومنهم المفتي عنايت الله الكاكوري والمفتي مظهر كريم الدريابادي ومولانا محمد حسين مولانا رياض الحق وقد عاد العالمان الأولان بعد أن مكثا مدة طويلة في المنفي. والآخران وافتهما المنية في المنفي. وكان مولانا إمام بخش الصهباني ومولانا رضي بدايوني قتلا بالرصاص ومولانا مبارك علي حبس في السجن وكان مولانا قاسم النانوتوى قد صدر الأمر بالقبض عليه.

                وقد مر تاريخ الهند بحركات مثل حركة الملح ومسيرة داندي التي قادها غاندي وشارك فيها المسلمون أمثال مولانا حفظ الله الرحمن ومفتي عتيق الرحمن العثماني مما أدي إلى القبض عليهم كما عقدت حفلة لجمعية علماء الهند في مدينة أمروها الواقعة في مديرية مراد آباد تحت ترأسها مولانا شاه معين الدين الأجميري وتم اتخاذ قرار لتأييد حزب المؤتمر القومي الهندي في حركة تحرير الهند من براثن الاستعمار الأجنبي.

                أما النساء المسلمات فإنهن لم يكتفْنَ بالانزواء في بيوتهن، بل ضحّينَ قلوبهن وقوالبهن من أجل حرية الهند بكل طريق أصبنها، ومنهن بيجوم حضرة محل البطلة المجهولة في حرب الاستقلال الأولى التي أطلقت النار على الحاكم البريطاني السير هنري لورانس وتولى الجيش البريطاني مدبرين في معركة حاسمة في 30 يونيو1857م كما تبرعت سيدة مسلمة الأم بيفيما بأكثر من ألف روبية للمكافحة لاستقلال الهند وقاتلتهم أصغري بيجوم حتى تم حرقها حية عندما هزمت وتم القبض على حبيبة ورحيمي اللذين قاتلتا حتى أعدمتا بجانب أن التقارير تدل على أن حوالي 225 امرأة مسلمة ضحت بحياتهن في الثورة.

                ويتضح مما مر، أن للأمة المسلمة دورا مهما في تحرير البلاد من وطأة الاحتلال وجعلها أكبر دولة ديموقراطية، وذلك بجهود مضنية بذلوها في تحقيق حريتها رغما من الظروف الطالحة ولكن بعض الجماعات الهندوسية المتزمتة امتنعت من عرض دورهم وابتعدت أن يكتبوه، فإن الذي ينظر إلى تاريخها يجده مليئا بمساهمات المسلمين وملطخا بدماءهم.

 


[1]تحفة المجاهدين، ص - 263

[2]تحفة المجاهدين – ص - 276

[3]تحفة المجاهدين – ص- 279


لتزويد مجلتنا المطبوعة

إضغط هنا