pre-loader

آثار إسلامية في الهند: تسعى الجماعات الهندوسية المتزمتة لهدمها

آثار إسلامية في الهند: تسعى الجماعات الهندوسية المتزمتة لهدمها

آثار إسلامية في الهند: تسعى الجماعات الهندوسية المتزمتة لهدمها

  • ٣ ذُو ٱلْحِجَّة‎ ١٤٤٣
  • أسامة الرحماني (باحث الدكتوراه في كلية أم،أي،أس ممباد)

الهند تمر بأوقات عصيبة حيث لا تزال تبذل الجهات الهندوسية والحزب الحاكم جهودا مضنية وسعيا حثيثا لتقويض التراث والآثار والمعالم في الهند لا سيما الإسلامية وللتشكيك في الإسلام وتكدير صفوه وبث الكراهية ضده وذلك بتصريحات بعض متحدثيها بأن الهند أرض الهندوس أما ما عداهم فهم يجب أن يخرجوا منها وأن الآثار الهندية المعروفة بأنها إسلامية كانت معابد الهندوس لكن الحكام المسلمين الأوائل المغول قاموا بهدمها وأقاموا مباني باسمهم مكانها، كما أن المسلمين تقمع حرياتهم وتبخس حقوقهم وتكمم أفواههم في عقر دارهم. ومما يزيد الطين بلة، أن الحزب الحاكم لا يتقدم بمعارضة هذه التصريحات بل يظل مكتوف اليدين.

                وفي الآونة الأخيرة، إن عددا من الادعاءات والإفراءات التي لا تمت بصلة إلى الحقيقة والواقع قد أثار حفيظة المسلمين وأسفر عن الإعراب عن استياءات بعض الدول العربية وهذه الادعاءات والزعائم تتعلق بآثار إسلامية شهيرة تزيد الهند فخرا وزينة بين سائر الدول العالمية مثل قطب مينار وتاج محل ومساجد إسلامية قديمة قدم الحكام المغول مثل مسجد جيان فابي ومسجد كمال مولى ومسجد شاهي إدجاه وما إليها مما يقدسه المسلمون.

                قبل أيام قليلة، شهدت دهلي احتجاجات لبعض الهندوس مطالبين بهدم مسجد قطب مينار وإعادة بناء معبد هندوسي مكانه وتقدمت جماعة هندوسية تسمى "مهكال مناف سيفا" بطلب جديد لهدمه إلى محكمة ولاية دلهي المدنية في مطلع مايو/ أيار وقد رفضت المحكمة نفسها طلبها السابق إلا أنها أسندت القضية إلى قاض آخر وحددت لها جلسة الاستماع فيما يعد مسجد قطب مينار مجمعا أثريا ذا المعمار المتميز والتاريخ العريق ومن النفائس النادرة هندسة وتقنية رياضية أمر ببنائه السلطان قطب الدين أيبك الذي كان يحكم مملكة دهلي في القرن الثالث عشر.

                أما مسجد غيان فابي الذي أنشأ في القرن السابع عشر بمدينة وارناسي القديمة (بيناراس أو كاشي سابقا) فقد أصبح حديث الهند الراهنة إذ يثير القلق والمخاوف بين أوساط الأمة المسلمة في الهند بعدما تم تقديم التماسين الأول أمام المحكمة العليا إله آباد والثاني أمام محكمة مدنية في مدينة واراناسي وطالب الملتمسون بالحق في أداء الطقوس في حرم مسجد غيان فابي إلا أن المحكمة الدستورية العليا في الهند أيدت قرار محكمة واراناسي برفض دعوى تطالب بهدمه. وفق مزاعم هندوسية، إن قطعة أرض مسجد غيان فابي كانت محتلة في الأصل من أراضي المعبد طالبين الاذن بالعبادة على الممتلكات كما أنهم كثفوا مطالبها بالتنقيب داخل المسجد وما حوله وذلك بعد زعائم العثور على آثار للإله الهندوسي "شيفا"، وأثناء المسح الأثري الذي أمرت بها المحكمة، زعموا أنه قد تم العثور عليه وهذا يعني أن الأرض محتلة ولجنة مسجد غيان فابي تتقدم بأن هذا نافورة في الحوض.

                ومن الآثار التي في دائرة الخطر، تاج محل المعلم الإسلامي الشهير الذي يميز التاريخ الهندي ويعد أحد أشهر المعالم الهندية في العالم، الجهات الهندوسية تمد أيديها إليه إذ أقام مسؤول في حزب الشعب الهندي الحاكم دعوى لدى المحكمة العليا بولاية أوتار براديش في مايو/أيار الماضي لإعلان أحقية الهندوس فيه رغم كثيف شهرته بأنه إسلامي، وتطالب بالتفتيش لأثار شيفا فيه قائلة إن ضريح تاج محل بني في موقع حرم قديم مخصص للأله شيفا أو فوق معبد مخصص للشيفا، كما قدم أحد أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا التماسا في محكمة في أوتاربراديش لإلزام وكالة الآثار الهندية على فتح عشرين غرفة فيه قائلا إنها تحتوي على تماثيل هندوسية لكن الهيئة نفت وجود ثماثيل إلى جانب رفض المحكمة الالتماس، وفي الحقيقة إنه تم بناؤها ما بين 1631 و1648 م بطلب من الإمبراطور المغولي شاه جهان لتخليد ذكرى زوجته الراحلة ممتاز محل فقد تحول إلى رمز عالمي للحب الأبدي وأحد المراكز السياسية العالمية التي يتدفق إليها الملايين سنويا.

                وجدير بالذكر أن الحكومة الهندية أيضا لا تأخذ ضريح تاج محل بعين الاعتبار ولا تقيم أي وزن لحمايته وهو يواجه مخاوف من أثر التلوث على المبنى التاريخي وإن المحكمة العليا في الهند كان قد انتقدت الحكومة بسبب فشلها في حمايته قائلة إنها أظهرت تراخيا في اتخاذ خطوات تفضي إلى التصدي لهذه الحالة، وآلاف من المصانع ونهر يامونا الذي يجري بجانبه وهو يجتذب الحشرات التي تضع فضلتها على جدرانه، يشكلان خطورة بالغة الأثر.

                مسجد كمال مولى ومسجد شاهي عيدغاه، من أقدم المساجد الهندية الإسلامية التي تريد الجهات الهندوسية هدمها أما مسجد كمال مولى في ماديا براديش فقد تقدمت مؤسسة الجبهة الهندوسية للعدالة بطلب إلى محكمة ولاية ماديا براديش لهدم المسجد وتخصيص مساحة المجمع بتمامها للمعبد الهندوسي مدعية أن المسجد تم بناؤه على أنقاض معبد هندوسي، وذلك بعد أن توصل المسلمون والهندوس إلى اتفاق على اقتسام مساحته للسماح بإقامة معبد هندوسي عام 2003م لكن الجماعات الهندوسية رفضت هذا الاتفاق وتقدمت بهذا الطلب، كما أن مسجد شاهي عيدغاه الذي بني في نهاية القرن السابع عشر في مدينة ماثورا بولاية أوتاربراديش تعرض لأكثر من عشر قضيات في مختلف المحاكم الابتدائية في نفس المدينة وفي المحكمة العليا إله آباد، تطالب بهدمه بنفس الزعم يعني أنه بني فوق معبد هندوسي قديم، ومن هذه المساجد مسجد جامع بشري رنكا باتانام في ولاية تامل نادو أيضا. . . نتينبتيسبتسيبتنسيبسيتبنمسيبتنمسينمب

                هذه الدعاوى والاحتجاجات والمظاهرات بأسرها يشجع عليها أصحابها قضاءُ المحكمة الدستورية في الهند في قضية مسجد بابري بأحقية الهندوس في أرض مسجد بابري وقررت الحكومة الهندية تشييد معبد هندوسي مكانها على إثر القضاء وهذا المسجد هدمها حشود هندوسية في تسعينات القرن الماضي مع أن الحكومة لم يدافعه منه كما أن الحكومة الحالية التي يترأسها رئيس الوزراء نريندرا مودي تجشع على أعمال العنف ضد الآثار العريقة وتثير اشتباكات حامية وصراعات دامية وطائفية وزعزعة استقرار الهند بدلا من قمعها وإحلال السلام مكانها.

                على أعقاب هذه الصراعات والاشتباكات والهجومات على الآثار الإسلامية، أعربت بعض الدول واللجنات عن إدانتها وشديد استيائها حيث قال وزير الخارجية الأمريكي أنطون بليكان إن الهجومات على المدنيين والمعابد تزداد داخل الهند، رغم أنها أكبر دولة ديموقراطية وأكثر الدول ديانة في العالم

                وفي ناحية أخرى، أثار تصريح رئيس آر، أس، أس (RSS) موهان بهاكوات بأنه لماذا يبحث عن آثار شيفا في مساجد الهند بأكملها، ردود فعل كثيرة حين يؤيدها معارضوه السياسيون بينما البعض الآخر يصفها بأنها ليست مع نوايا حسنة وهذا التصريح قام به بهاكوات حينما يلقي كلامه في الدروة الأخيرة لمعكسر تدريب الضباط لآر، أس، أس وذلك حين كانت قضية غيان فابي أثارت ضجة كبيرة بين أوساط الهند،في حين يرى المحللون السياسيون أن لهذا التصريح أبعادا مختلفة.

                وفي الحقيقة، إن الأمة المسلمة لا تزال تعيش معيشة ضنكا تحت وطأة أعمال العنف الشرسة وازداد عددها واختلف شكلها واشتد وقاحتها في عهد الحكومة المركزية الحالية التي يترأسها نريندرا مودي وقد كان عضوا لمثل هذه الجماعات سابقا الأمر الذي يحرض المتشددين الهندوس على الهجومات، لذا علينا أن نكافح هذه الجماعات المتشددة المتزمتة بالوقوف مع الأحزاب السياسية العلمانية لإحياء تراثنا العريق ولإعلاء فخرنا العتيق.


لتزويد مجلتنا المطبوعة

إضغط هنا