pre-loader

عويلات ترتفع من واياناد

عويلات ترتفع من واياناد

عويلات ترتفع من واياناد

  • ٢٠ صَفَر‎ ١٤٤٦
  • فجر الدين محمد الرحماني كناشيري

من أعظم وأفجع ما شهدته ولاية كيرالا من كوارث طبيعية، انهيارات أرضية ضخمة مما أدت إلى اجتياح عدة وديان بأكملها وجرف منازل ومدارس ومبان فيها بسبب الأمطار الغزيرة في المناطق الجبلية بمنطقة واياناد صباح الثلاثاء 30 يوليو 2024 وهذه الكارثة المفجعة الناجمة عن انزلاق الأتربة أودت بحياة أكثر من ثلاث مائة شخص كما أنها أسفرت عن مئات المفقودين والمصابين ومن المحتمل أنه سترتفع حصيلة الضحايا في الأيام المقبلة ولا تزال تجري عمليات الإنقاذ على الرغم من أن الأمطار الموسمية المتتالية في هذه المناطق والمياه الموحلة تعيقها حيث إن الفريق الوطني لاستجابة الكوارث والفرق المتطوعة بما فيها ‘فريق الوقاية‘ تحت رعاية اتحاد الطلبة السنيين لعموم كيرالا ينقلون جثثا وضعت على حمالات ويواجهون صعوبات في نقل المصابين والجثث من موقع غمره الطين والركام جراء الانزلاق الأرضي القوي كما أن الرادار والكلاب التي تفتش وجود الحياة تحت الأنقاض والأتربة وصلت إلى المناطق المتضررة ومن أهم عمليات الإنقاذ التي تجدر الإشارة هنا أن الجيش الهندي شيدوا جسر ‘بايلي‘ في أسرع وقت ممكن مكان الجسر المنهار في التيارات النهرية القوية الذي كان يربط منطقة شورل مالاي بمنداكاي وأتامالاي وبسبب انهيار هذا الجسر صارت هذه المناطق معزولة وسكانها عالقين تحت الأنقاض حيث لا تصل إليهم عمليات الإنقاذ والإغاثة. وحكومة كيرالا بالشراكة مع الفرق المتطوعة تبذل كل جهودها في مهمات البحث والإنقاذ وعمليات إيواء المتضررين وتوفير جميع الخدمات المحتاجة إليهم

إن المشاهد المفجعة التي تصل إلينا عبر الوسائل الإعلامية من المناطق المتضررة تقض مضاجعنا وتزعج نفوسنا بشدتها وهولها حيث كان سكان هذه المناطق ينامون تحت بُسطهم بكل راحة وسلامة في ليلة الكارثة والأمهات يحتضنّ الأطفال وهم لا يعرفون الكارثة المنتظرة إلى أن انفلق الصبح وهم تحت الأتربة والصخور المتراكمة ومنازلهم سويت بالأرض بين ليلة وضحاها كأن لم تكن بالأمس. والأمر اللافت هنا أن شعب ولاية كيرالا تكاتفوا في مواجهة هذه الكارثة وتضامنوا مع المتضررين بغض النظر عن أديانهم وأعراقهم وأنسابهم حيث تفاعلوا مع المبادرات الشخصية والمدنية التي أطلقها أفراد ومشاهير من مختلف القطاع من خلال تبرعات مالية وشراء كميات من المواد الغذائية والتموينية وإرسالها إلى منكوبي الكارثة

منذ فيضانات 2018 التي أدت إلى مقتل ما يقارب خمسمائة شخص، تتوالى كوارث طبيعية في بلاد كيرالا من انهيار أرضي وفيضانات وانزلاق أتربة وفي هذا الصدد تجري مناقشات حادة في الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة عن فشل منظومة إدارة الكوارث للحكومتين المركزية والإقليمية وترتفع انتقادات لاذعة للأداء الحكومي الضعيف والفشل في اتخاذ إجراءات كافية ضد الاعتداءات على الأراضي في المناطق الجبلية خاصة في سلسلة جبال غاتس الغربية المعرضة للانهيارات الأرضية أثناء الرياح الموسمية إذ إن غاتس الغربية التي تشكل سلسلة جبلية على طول الجانب الغربي من الهند تعد من أكبر قطاع معرضة للكوارث الطبيعية ومن ثم يحذر مسؤولو وكالات حماية البيئة من الاعتداءات على هذه المناطق من إزالة الغابات وقطع الأشجار والأدواح وجعلها مزارع الشاي والأرز وغيرهما والبناء في الشعار والغياض والاعتداءات على الأراضي الرطبة والبحيرات التي كانت بمثابة ضمانات طبيعية ضد الفيضانات والانهيارات الأرضية. ويرى خبراء أن بناء السدود والمنتجعات السياحية ومشاريع التطوير فاقم حدة هذه الأزمات كما أنهم لا يجحدون أثر التغير المناخي وهطول الأمطار الموسمية في مدى هذه المأساة ويقول الخبير المشهور في مجال حماية البيئة ‘مادو غادغلي‘ قبل عشر سنوات: "قد تم تخريب الغات الغربية، وولاية كيرالا ستتصدى لأكبر كارثة طبيعية إن لم يقم المسؤولون بإجراءات كافية لحمايتها، وهذه ليست ببعيد عنا بل ستقع خلال أربع أو خمس سنوات وسنشاهدها حيا وستعرفون أنتم من هو الكاذب ومن يخاف" والآن قد تحققت نبوءاته وأقواله ونحن في غباوة وطغيان

إن الانهيارت الأرضية التي هي عبارة عن حركة الصخور أو الأرض أو الحطام أسفل المنحدر ناتجة عن أسباب مختلفة قدّرها الله سبحانه بما فيها العمليات الطبيعية والأنشطة البشرية فالعمليات الطبيعية تشتمل على العوامل الجيولوجية والعوامل الهيدرولوجية أما الأولى منهما فهي عبارة عن التكوينات الصخرية الضعيفة أو المتشققة والمنحدرات الشديدة والندوب الناجمة عن الانهيارات الأرضية السابقة التي تجعل المناطق أكثر عرضة للانهيارات الأرضية بينما الثانية منها تتكون من الأمطار الغزيرة والذوبان السريع للثلوج والتغيرات في مستويات المياه الجوفية التي تؤدي إلى إشباع التربة وكل هذه العوامل مما يقلل من تماسك الأراضي ويؤدي إلى انهياراتها كما أن غياب النباتات يمكن أن يؤثر بشكل كبير على استقرار المنحدرات لأن الجذور تساعد في ربط التربة بموقعها وإزالة الغابات يمكن أن تزيد من خطر الانهيارات الأرضية إلى جانب أن الأنشطة البشرية مثل البناء والتعدين والاستخدام غير السليم للأراضي تؤدي هي الأخرى إليها. وهذه الأخيرة كارثة تصنعها أيادي البشر ويمكن أن يحكم عليها ولكن الناس يعمهون في طغيانهم

إن مناطق واياناد مشهورة في العالم بالمناظر الطبيعية الخلابة والظلال الوارفة والتلال الخضراء والصخور الشامخة ومزارع الشاي المنبسطة ومناظر الصباح الباكر المحاط بالضباب وهذه كلها ما يجذب الناس إليه ويستميل نفوس السياحين من مختلف أقطار الأرض ومن الملاحظ أن هذه المظاهر الطبيعية التي خلقها الله جل شأنه وعلت قدرته لا بد أن تحتفظ وألا يجاوز الحد في استغلالها لأن مثل هذه الكوارث الطبيعية المفجعة التي تسحق البلاد وتجرف المنازل وتجتاح القرى والوديان ربما تكون ناتجة عن صنع البشر كما قال الله تعالى في القرآن المجيد "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" فاللهَ نسأل السلامة من كل سوء يؤذينا وبه نستعين وعليه نتوكل.


لتزويد مجلتنا المطبوعة

إضغط هنا